ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا إلى الخورنق والسّدير (١) في عام قد بكر وسميّه وتتابع وليّه وأخذت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر ، وأحسن مستمطر بصعيد كأن ترابه قطع الكافور ، حتى لو أن بضعة ألقيت فيه لم تترب ، وكان قد أعطي فتاء السنّ مع الكثرة والغلبة والنماء (٢) ، فنظر فأبعد النظر ، فقال لمن حوله : هل رأيتم مثل ما أنا فيه؟ هل أعطي أحد مثل ما أعطيت؟ وعنده رجل من بقايا حملة الحجّة والمضي على أدب الحق ومنهاجه ، فقال له : أيها الملك إنك قد سألت عن أمر أفتأذن في الجواب؟ قال : نعم ، قال : أرأيتك هذا الذي قد أعجبت به أهو شيء لم تزل فيه أم هو شيء صار إليك ميراثا عن غيرك؟ وهو زائل عنك وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال : فكذلك هو ، قال : أفلا أراك إنما أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا ، وتغيب عنه طويلا ويكون غدا لحسابه مرتهنا ، قال : ويحك فأين المهرب وأين المطلب؟ قال : إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة ربك على ما ساءك وسرّك ومضّك وأرمضك ، وإمّا أن تضع تاجك وتضع (٣) أطمارك وتلبس أمساحك (٤) وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك ، قال : فإذا كان السحر فاقرع عليّ بابي فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لا تعصى ، وإن اخترت خلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا لا تخالف ، فلما كان السحر قرع عليه بابه فإذا هو قد وضع تاجه ووضع أطماره ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة فلزما والله الجبل حتى أتتهما آجالهما ، وذلك حيث يقول أخو بني تميم عدي بن زيد العباديّ المرائي (٥) :
أيها الشامت المعير بالده |
|
ر أأنت المبرّأ الموفور؟ |
أم لديك العهد الوثيق من الأي |
|
ام بل أنت جاهل مغرور |
من رأيت المنون خلّدن أم من |
|
ذا عليه من أن يضام حقير؟ |
أين كسرى كسرى الملوك أبو سا |
|
سان أم أين قبله سابور؟ |
__________________
(١) الخورنق قصر بالعراق بناه النعمان الأكبر ، والسدير : قصر في الحيرة ، أحد قصور النعمان.
(٢) معجم الأدباء : والقهر.
(٣) معجم الأدباء : وتخلع أطمارك.
(٤) معجم الأدباء : «مسوحك» والمسوح جمع مسح وهو ثوب من شعر كثوب الرهبان.
(٥) الأبيات في معجم الأدباء ١١ / ٣١ ـ ٣٣ وبغية الطلب ٧ / ٣٠٤٦ ومختصر ابن منظور ٧ / ٣٥٥ وانظر تخريجها فيه.