تنحدر على لحيته وهو ساكت والناس يبكون ، فقال : ألا تستحيوا من طول ما لا تستحيون ، قال : وفي القوم فتى يقال له عتبة الغلام ، فغشي عليه ، فما أفاق حتى غربت الشمس ، فأفاق وهو يقول : ما لي ، ما لي ، كأنه يعمي على الناس أمره ، قال : ثم خرج فتوضّأ.
قال : وقال محمّد : حدثني إسحاق بن إبراهيم قال : سمعت مضر أبا سعيد يقول :
جلسنا يوما إلى عبد الرّحمن بن زيد فلم يتكلم طويلا ، فقال له بعض إخوانه : ألا تعلّم إخوانك شيئا يا أبا عبيدة ، ألا تهديهم إلى خدمة الله ، قال : فبكى بكاء شديدا ثم قال : السرور والخير الأكبر أمامكم أيها العابدون فعلى ما ذا تعرجون (١) ، وما تنتظرون ، خذوا الأهبة (٢) للرحيل ، والعدّة لسلوك السبيل ، فكأنكم بالأمر الجليل قد نزل بكم ، فأوردكم على الكرامة والسرور ، أو على مقطعات النيران ، مع طول النداء بالويل والثبور ، ألا فبادروا إليه رحمكم الله.
قال : ثم غشي عليه وتفرق الناس.
قال مضر : وقال لي عبد الواحد يوما : اقرأ عليّ : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ)(٣) (الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ)(٤) فقرأت عليه ، فجعل يشهق حتى ظننت أن نفسه ستخرج ، ثم أفاق إفاقة فقال (٥) : كيف بالقلوب إذ ذاك وقد كظمت له الحناجر ، ثم غشي عليه ، فحمل إلى أهله.
قال أبو يعقوب : وقرأ مضر يوما : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٦) فبكا حتى غشي ، ثم أفاق فقال : وعزتك ، لا عصيتك جهدي أبدا ، فأيّدني بتوفيقك على طاعتك ، فلما انصرف أتاه قوم من إخوانه فقالوا : كيف قلت الغداة؟ فبكى ثم قال : أطعه بجدك وجهدك ، وسله المعونة على ذلك يؤتك ، قال : فبكى والله أهل البيت جميعا أو شغلهم عما جاءوا له.
أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء ، أنا منصور بن الحسين ، وأحمد بن محمود ، قالا : أنا أبو بكر بن المقرئ ، نا محمّد ـ أظنه ابن الفضل البلخي ـ أنا عبد الله ـ نزيل
__________________
(١) الأصل : «يعرجون ... ينتظرون» وفي م : الحرف الأول في الكلمتين بدون إعجام ، والتصويب عن المختصر ١٥ / ٢٥٢.
(٢) رسمها مضطرب في الأصل وم ونميل إلى قراءتها : «الهنة» والمثبت عن المختصر.
(٣) ما بين الرقمين سقط من م.
(٤) سورة غافر ، الآية : ١٨.
(٥) ما بين الرقمين سقط من م.
(٦) سورة الجاثية ، الآية :