أحبّ إليّ من أن أكون (١) ما أحبّ.
أخبرنا أبو النجم هلال بن الحسين بن محمود الخياط ، أنا أبو منصور محمّد بن محمّد بن أحمد العكبري ، أنا عبيد الله بن أبي مسلّم الفرضي ، أنا أبو محمّد علي بن عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد الدمشقي ، حدثني أبو عبد الله الزبير بن بكار ، قال (٢) :
دخل عمر بن عبد العزيز على ابنه عبد الملك بن عمر وهو مريض ، فقال له : كيف تجدك يا بني؟ قال : أجدني في الحقّ ، قال : والله لأن يكون ما تحبّ أحبّ (٣) إليّ من أن يكون ما أحبّ ، فلما هلك عبد الملك قال عمر : يا بني لقد كنت في الدنيا كما قال جلّ ثناؤه : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا)(٤) ولقد كنت أفضل زينتها ، وإنّي لأرجو أن تكون اليوم من الباقيات الصالحات التي هي خير ثوابا وخير أملا (٥) ، والله ما يسرّني إن دعوتك من جانب فأجبتني.
قال : فعزاه الناس ، وعزّاه محمّد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان ، فقال : يا أمير المؤمنين ليشغلك ما أقبل من الموت عليك ، عن من هو في شغل مما يدخل عليك ، وأعدّ لنزوله عدّة تكن لك حجابا وسترا من النار ، فقال عمر : إنّي لأرجو أن لا تكون رأيت جزعا تشمئز منه ، ولا غفلة تنبه عليها ، قال : يا أمير المؤمنين لو ترك رجل تعزية أخيه ، لعلمه وانتباهه (٦) لكنته ولكن الله قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين.
وقام أعرابي من بني كلاب بين السماطين فقال :
تعزّ أمير المؤمنين ، فإنّه |
|
لما قد ترى يغذى الصغير ويولد |
هل ابنك إلّا من سلالة آدم |
|
وكل على حوض المنيّة مورد |
وذكره.
__________________
(١) كذا بالأصل ، والأشبه : يكون ، كما في م.
(٢) الخبر من طريقه في سيرة عمر لابن الجوزي ص ٣٠٦ ـ ٣٠٧.
(٣) في سيرة عمر لابن الجوزي : أحب إليّ مما أحب.
(٤) سورة الكهف ، الآية : ٤٦.
(٥) في سيرة عمر لابن الجوزي : وخير أمدا ، اقتبسه عمر من قوله تعالى : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) تتمة الآية ٣٦ من سورة الكهف.
(٦) الأصل : «وأشباهه» تصحيف ، والصواب عن م وسيرة عمر لابن الجوزي.