لإحداهما : ما اسمك؟ قالت : فلانة ، قلت : ما عندك من العلم؟ قالت : ما أمر الله عزوجل به في كتابه ، ثم ما تنظر الناس فيه من الأشعار والآداب والأخبار ، فسألتها عن حروف القرآن فأجابتني كأنها تقرأ الجواب من كتاب ، وسألتها عن النحو والعروض والأخبار فما قصرت ، فقلت : بارك الله فيك ، فما قصرت في جوابي في كلّ فن أخذت فيه ، فإن كنت تقرضين الشعر فأنشدينا شيئا ، فاندفعت في هذا الشعر :
يا غياث البلاد في كلّ محل |
|
ما يريد العباد إلّا رضاكا |
لا ومن شرّف الإمام وأعلى |
|
ما أطاع الإله عبد عصاكا |
ومرت في الشعر إلى آخره.
فقلت : يا أمير المؤمنين ما رأيت في مسك (١) رجل مثلها ، وقالت الأخرى : فوجدتها دونها ، فقلت : ما تبلغ هذه منزلتها إلّا أنها إن ووظب عليها لحقت ، فقال : يا عباسي فقال الفضل : لبيك يا أمير المؤمنين ، فقال : لتردّ (٢) إلى عاتكة ويقال لها تصنع هذه التي وصفتها بالكمال لتحمل إليّ الليلة ، ثم قال لي : يا عبد الرّحمن (٣) أنا ضجر ، وقد جلست أحب أن أسمع حديثا أتفرّج (٤) به ، فحدّثني بشيء ، فقلت : لأي الحديث يقصد أمير المؤمنين؟ قال : لما شاهدت وسمعت من أعاجيب الناس وطرائف (٥) أخبارهم ، فقلت : يا أمير المؤمنين صاحب لنا في بدو كنت أغشاه وأتحدث إليه ، وقد أتت عليه ست وتسعون سنة ، أصحّ الناس ذهنا ، وأجودهم أكلا ، وأقواهم بدنا ، فغبرت عنه زمانا ثم قصدته فوجدته ناحل البدن ، كاسف البال ، متغيّر الحال ، فقلت له : ما شأنك؟ أصابتك (٦) مصيبة؟ قال : لا ، قلت : أفمرض عراك؟ قال : لا ، قلت : فما سبب هذا التغير الذي أراه بك؟ فقال : قصدت بعض القرابة في حي بني فلان ، فألفيت عندهم جارية قد لاثت رأسها ، وطلت بالورس ما بين قرنها إلى قدمها ، وعليها قميص وقناع مصبوغان ، وفي عنقها طبل توقع عليه وتنشد هذا الشعر :
__________________
(١) المسك : الجلد.
(٢) كذا بالأصل وم ، وفي تاريخ بغداد : ليردا.
(٣) كذا بالأصل وم ، وهو تصحيف ، والصواب كما في تاريخ بغداد يا عبد الملك. وهو صاحب الترجمة ، الأصمعي.
(٤) الأصل وم : انفرج ، والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٥) الأصل : طرائب ، واللفظة غير واضحة في م من سوء التصوير ، والمثبت عن تاريخ بغداد
(٦) الأصل وم ، وفي تاريخ بغداد : أأصابتك مصيبة.