وفي الدرّ النظيم : وكان عليّ الهادي عليهالسلام يقول في مناجاته بالليل : إلهي ، مسيء قد ورد وفقير قد قصد ، لا تخيّب مسعاه وارحمه واغفر له خطاه.
وقال الشيخ في المصباح : إنّ أبا الحسن العسكريّ عليهالسلام كان يقرأ في الركعة الثالثة من نافلة المغرب الحمد وأوّل الحديد إلى قوله تعالى : (هُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، وفي الرابعة الحمد وآخر الحشر ، وكان يدعو في تعقيب صلاة الفجر : يا كبير كلّ كبير ، إلى آخر ما يأتي في أدعيته عليهالسلام.
العبادة وحقيقتها
إنّ حقيقة العبادة هي الطاعة ، فكلّ من أطاع الله تعالى وقام بامتثال الأوامر واجتناب المناهي فهو عابد ، ولمّا كان متعلّقات الأوامر الصادرة من الله تعالى على لسان نبيّه متنوّعة كانت العبادة بحسب ذلك أيضا متنوّعة ، فمنها الصلاة ومنها الصيام ومنها الصدقة إلى غير ذلك من الأنواع ، وإنّ الإمام عليّ الهادي عليهالسلام مثله مثل أجداده في كونه قائما بكلّ واحد منها ، مسارعا إليها ، مقبلا عليها ، متحلّيا بها ، فهم عبدوا الله حقّ طاعته ، وعرفوه حقّ معرفته.
وأمّا الزهد فإنّه لا يتحقّق إلّا بعد معرفة الشيء المزهود فيه والإحاطة بأنّ مجانبته خير من مقارنته ، والإعراض عنه أنفع من الإقبال عليه ، فإنّ من لم يعرف الشيء ولم يحط بأنّ اجتنابه خير من اجتذابه لا يحصنه بزهد فيه ونفرة عنه ، ولا يقدم عليه بميل إليه ولا باقتراب منه إذ النفرة والرغبة ينشئان ممّا اشتمل ذلك الشيء من المفاسد المنفرة والمصالح المرغبة وذلك لا يحصل إلّا بعد الإحاطة والمعرفة به ، فيتوقّف الزهد على معرفة المزهود فيه ، ولمّا كان معرفة مولانا عليّ الهادي وسائر الأئمّة كاملا بذات الدنيا ومحيطا على مساويها ، ويرون السموم القتّالة المودعة فيها ، وزوالها وفنائها ، تركوها وأفصحوا بإيراد صورها ومعانيها ،