تحقيق بعض المحقّقين في إبطال الجبر
قال : قالت الجبريّة في قوله تعالى : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ)(١) إنّ الله تعالى خلق الضلال والكفر فيهم وصدّهم عن الإيمان وحال بينهم وبينه ، وقالوا : هذا هو حقيقة لفظ الضلال في أصل وضع اللغة لأنّ الإضلال عبارة عن جعل الشيء ضالّا.
قلنا : هذا التأويل غير جائز لا يجب الوضع اللغويّة ولا بحسب الدلائل العقليّة ، أمّا الأوضاع فبيانه من وجوه :
(١) إنّه لا يصحّ من طريق اللغة أن يقال لمن منع غيره من سلوك الطريق كرها وجبرا إنّه أضلّه بل يقال منعه منه وصرفه عنه ، وإنّما يقولون إنّه أضلّه عن الطريق إذا لبّس عليه وأورد من الشّبه ما يلبس عليه الطريق فلا يهتدي له.
(٢) إنّة تعالى وصف إبليس وفرعون بكونهما مضلّين مع أنّ فرعون وإبليس ما كانا خالقين للضلال في قلوب المستجيبين لهما بالاتفاق وأمّا عند الجبريّة فلأنّ العبد لا يقدر على الإيجاد ، وأمّا عند القدريّة فلأنّ العبد لا يقدر على هذا النوع من الإيجاد فلمّا حصل اسم المضلّ حقيقته مع نفي الخالقيّة بالاتفاق علمنا أنّ اسم المضلّ غير موضوع في اللغة لخالق الضلال.
(٣) إنّ الإضلال في مقابلة الهداية فكما صحّ أن يقال هديته فما اهتدى ، وجب صحّته أن يقال أضللته فما ضلّ ، وإذا كان استحال حمل الإضلال على خلق الضلال.
وأمّا بحسن الدلائل العقليّة فمن وجوه :
(١) إنّه تعالى لو خلق الضلال في العبد ثمّ كلّفه بالإيمان لكان قد كلّفه بالجمع بين
__________________
(١) البقرة : ٢٦.