(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) ، وقوله : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)(٢) فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملّكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض ، وبهذا نطق القرآن وجرت الأخبار عن الأئمّة من آل الرسول صلىاللهعليهوآله.
فإن قالوا : ما الحجّة في قول الله : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ)(٣) وما أشبهها؟
قيل : مجاز هذه الآيات كلّها على معنيين : أمّا أحدهما فإخبار عن قدرته أي إنّة قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء ، وإذا أجبرهم بقدرته على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب على نحو ما شرحناه في الكتاب.
والمعنى الآخر الهداية منه تعريفه كقوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) أي عرّفناهم (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى)(٤) فلو أجبرهم على الهدى لم يقدرون يضلّوا وليس كلّما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجّة على محكم الآيات اللواتي أمرنا بالأخذ بها ، من ذلك قوله : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ)(٥) وقال : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)(٦) أي أحكمه وأشرحه (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٧) وفّقنا الله وإيّاكم إلى القول والعمل لما يحبّ ويرضى ، وجنّبنا وإيّاكم معاصيه بمنّه وفضله والحمد لله كثيرا كما هو أهله ، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________________
(١) الإسراء : ١٥.
(٢) النساء : ١٦٥.
(٣) فاطر : ٨ ، المدّثّر : ٣١. وفي المتن : «يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء».
(٤) فصّلت : ١٧.
(٥) آل عمران : ٧.
(٦) الزمر : ١٧ ـ ١٨.
(٧) الزمر : ١٨.