بدّ لها من محدث لا يشبهها ، وإذا ثبت ذلك صح أنّ الفاعل للأجسام لا تحلّه الحوادث وأنه سابق لها غير مشبه لها والحوادث غير مشبهة له.
ثم دلّ خلقه للأجسام أنه قادر حيّ كما دلّت أفعال الأجسام في الشّاهد أنّها حيّة قادرة عالمة وأنّها لو لم تكن كذلك لم تكن فاعلة فلما لم يدلّنا على أن الأجسام حية قادرة إلا أفعالها ، إذ كانت حياتها وقدرتها لا تشاهد ، دلّتنا أفعال الله تعالى أيضا على أنه حي قادر ، ووجب أن يكون عالما لوجود أفعال محكمة ، إذ كانت أفعال الأجسام في الشّاهد إذ كانت محكمة دلّت على أنّها عالمة ولا يدل على علمها غير أفعالها ، إذ كان العلم لا يدرك ولا يشاهد.
ولما دلنا جواز الموت على الأجسام نفي الشّاهد والعجز والجهل دلّنا ذلك على أنهم إنما كانوا أحياء قادرين بحياة وقدرة ، وعالمين بعلم ، وهذه الأشياء هي غيرهم فلهذا جاز زوالها عنهم وحدوث أضدادها بدلا منها فيهم. ولما كان القديم تعالى لا يجوز شيء من ذلك عليه وجب بدلالة الشّاهد أنه حيّ بنفسه عالم ولما كان الجسم في الشّاهد بالتأليف يصير جسما ، ونعلمه جسما لم يجز أن يكون جسما فصحّ بهذا أن التّوحيد لا يعرف إلا بدلالة الشّاهد ، وكذلك طريق صدق الرّسل لأنه لا يعرف بالمشاهدة ولا ببداهة العقل ، ولو عرف بذلك لاستوى النّاس جميعا فيه ، وإذا كان كذلك فإنّما يعرف بالآيات المعجزات ، ولا يعرف ذلك إلا باعتبار أمر الشّاهد وحمل الغائب عليه فاعلمه.
واستدلّ أبو القاسم البلخي على أنّ القديم واحد بأن قال : قد ثبت أنّ المحدثات لا بدّ لها من محدث ، فمن هذا الطّريق قد بان أنّ هاهنا صانعا لا بدّ منه ولا أقل من واحد فلذلك نعلمه يقينا وأنّه واحد ، وأمّا ما عداه مشكوك فيه فلا يتخطاه إلّا بدليل وهذا قريب صحيح. انتهى الباب والله محمود على ما سهّله ووفقنا له من تحقيق ما أردنا تحقيقه من شرح فضائحهم وإثارة مقابحهم ، والرّد عليهم في أصول دعاويهم وفروعها ومسئول إيزاعنا شكر نعمته وصلة سعينا بمرضاته.