الشّتاء كلّه قال : ويقال للحر كلّه شهر ناجر ، كما يقال للشّتاء كله جمادى ، وكان ينشد بيت لبيد في الجزء شعرا :
حتى إذا سلخا جمادى ستة |
|
جزءا فطال صيامه وصيامها |
بخفض ستة على إضافة جمادى إليها وقال أراد ستة أشهر الشّتاء ، وهي أشهر النّدى والجزء ، وكذلك كان ينشده أبو عمر والشّيباني خفضا ويقول : أراد جمادى ستة أشهر فعرف بجمادى. قال أبو حنيفة ، ويشهد للغنوي كثرة ذكر العرب جمادى إما ببرد الزّمان وإما بكثرة الأنداء والأمطار ، وهذا كلّه من أوصاف الشّتاء ولو كان قصدهم إلى ذكر الشّهر لما تطاول لسرعة انتقال الشّهر.
ألا ترى أنّه يكون مرة في صبارة الشّتاء ومرة في حمارة القيظ وإنما حاله في ذلك كحال سائر الشّهور ، وأنت لا تجد جمادى موصوفة بالحر كما تجدها موصوفة بالبرد. قال الشاعر شعرا :
في ليلة من جمادى ذات أندية |
|
لا يبصر الكلب من ظلمائها الطّنبا |
قال أبو حنيفة : وزعم بعضهم أنهم إنّما قدّموا الشّتاء على الصّيف لأنه ذكر. وأنّ الصّيف أنثى ، ولم يذكروا علّة تذكير الشّتاء ، وتأنيث الصّيف ، ولا أظنه إلّا لقسوة الشّتاء وشدّته ولين الصّيف وهونه ، ألا ترى أنّ من عادتهم أن يذكروا كلّ صعب من الأمور قاس شديد ، حتى قالوا : داهية مذكار ، وإن كانت أنثى فصعّبوها بأن تكون تنتج ذكورا وحتى قالوا أرض مذكار إذا كانت ذات مخاوف وأفزاع ، وقالوا : يوم باسل ذكر في شره وشدته حتى قال الشّاعر شعرا :
فإنّك قد بعثت عليك نحسا |
|
شقيت به كواكبه ذكور |
فجعلها مع نحوستها ذكورا ليكون شرّها أفظع وأصعب و (الصّيف) وإن تلظّى قيظه وحمى صلاه فهو هيّن عندهم إلى جنب الشّتاء ، والشّتاء يبرح بالقوم ولذلك قالت بنت الحسن وقد سئلت عنهما : أيّهما أشدّ فقالت : وما جعل البئيس من الأدية تقول من يقيس البؤس والضر إلى أذى فقط أي الشّتاء أشد : (والبئيس والبؤس) واحد قال الفرزدق في نعت امرأة بيضاء من أهل المدينة (لم تذق بئيسا ولم تتبع حمولة مجحد) ولذلك لا تجدهم يشتكون الضّر وسوء الحال والهزال في الصّيف ولا يعدون أن يصفوا أواره وصخده وعطشه وإذا صاروا إلى الشّتاء عجّوا من وطئه ونوّهوا باسم من آسى فيه ، واحتمل الكلّ وأطعم المصرور.
قال الشّيخ الذي قاله أبو حنيفة في تعليل تذكير الشّتاء حسن وأقرب منه أن يقال لما