وهذا كما حكوا عن الحرم أنه إذا أصاب المطر الباب الذي من شقّ العراق كان الخصب في تلك السّنة بالعراق ، وإذا أصاب شقّ الشّام كان الخصب والمطر في تلك السّنة بالشّام ، وإذا عمّ جوانب البيت كان المطر والخصب عاما في البلدان.
واعلم أنّه كما أنّ لكلّ نجم نوء فله بارح أيضا وهي البوارح وهي الرّياح. والعرب تقول : فعلنا كذا أيام البوارح ، وهي رياح النّجم ـ والدّبران ـ والجوزاء ـ والشّعرى ـ والعقرب ـ وأنشد الأصمعيّ :
أيا بارح الجوزاء مالك لا ترى |
|
عيالك قد أمسوا مراميك جوّعا |
وقال آخر شعرا :
أيذهب بارح الجوزاء عنّي |
|
ولم أذعر هوامك بالسّنار |
وقال آخر شعرا :
أيا بارح الجوزاء مالك لا تجي |
|
وقد فني مال الشّيخ غير قعود |
وأحبّوا أن تهبّ رياح الجوزاء حتى إذا طردوا إبلا وسرقوها عفت الرّياح آثارها وآثارهم ، فأمنوا أن يقتفى أثرهم ، واسم ما يحدث من ريح أو حر بارح على التّشبيه بالبارح من الوحش ، لأنه قد يطلع مما يلي شمال النّاظر ، ويأخذ على يمينه كالوحش.
وقال أبو حنيفة : زعم قوم لا معرفة لهم باللغة ، أنّ البارح ضدّ النوء ، وأنّه طلوع الرّقيب فيقولون : برح الكوكب : إذا طلع ، قالوا وذلك لأنه ييامن البيت الحرام إذا طلع ويياسره إذا غرب ، وإن قال : خذ من يمينك إلى يسارك فهو بارح. والذي قالوه ليس بمدفوع ، لكنا لم نجد العلماء يعرفون ما قالوه في الكوكب ، ولا رووا ذلك عن العرب ، قال أبو زيد : البارح : الشّمال الحارة يكون في الصّيف. وقال الفرّاء : البوارح : الرّياح الصّيفية ، وسمّيت بذلك لأنّها هي السّموم التي تأتي من الشّمال ، وأنشد لذي الرّمّة شعرا :
تلوث على معارفنا ونرمي |
|
محاجرنا شآمية سموم |
وقال أبو عمرو : وهي ريح السّموم ، وقال يزيد بن القحيف : البارح : شدّة الرّيح في الحرّ ، وقال مرار في صحة ما قالوا شعرا :
تراها تدور لغيرانها |
|
ويهمجها بارح ذو عما |
يهمجها : يرمي بها في كنسها ، وهي غيرانها ، وجعلها ذا عماء لعرئه والعماء أصله في السّحاب ، وقال الأخطل شعرا :