منعه الصّرف فإنه يجعله معدولا عمّا فيه الألف واللّام كأنّه لا يأتي بهما ، وهو يريد معناهما في الاسم كما أنّ قولك : سحر كذلك وقد مضى القول فيه ، فإن نكّرته وجعلته شائعا صرفته به وصرفته ، فقلت : مضى أمس وكذلك إن أضفته أو أدخلت عليه ألفا ولاما ، لأنّه يصير موقتا محدودا تقول : مضى أمسك ، وكان أمسا أطيب من يومنا ، ومضى الأمس.
فإن قال : ما بال غد لا يكون مبنيا قلت : أمس معرفة مشاهد معلوم ، وغد ليس بمعلوم ولا مشاهد ، لأنّه لم يأت قبيلهما سبيل قط المشدّدة وأبدا ، لأنّ قطّ للقائل من لدن قوله أي ابتداء كونه فهو معلوم ، يقول : ما رأيته قطّ ، تحركت الطّاء الأخيرة لأنه لا يلتقي ساكنان ويضمها كما يضم آخر الغايات ، وسنبين القول فيها كلّها ، وإذا قلت : لا أكلمه أبدا ، فالأبد مذ لدن تكلّمت إلى آخر عمرك ، فهو غير معلوم ، وجار على أصله الذي له وصار مصروفا منصرفا لم يعرض فيه ما يوجب تنيرا.
قال قطرب : وأظنه حكى عن الخليل أنّهم أرادوا بأمس حين حفظوا رأيته بالأمس ، فحذفوا الباء والألف واللّام كما قالوا خير عافاك الله في جواب : كيف أصبحت؟ يريدون بخير ، وكما قالوا : لاه أبوك الله أبوك. وقال ذو الأصبع شعرا :
لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب |
|
دوني ولا أنت ديّاني فتجزوني |
فحذف لام الإضافة ولام التّعريف وهذا تقوية لقول الخليل ، ومثله قول الآخر :
طال النّواء وليس حين تقاطع |
|
لاه ابن عمّك والنّوى لعدوّ |
انتهى كلامه. قال الشّيخ : هذا الذي حكاه لا يكون بناء بل يكون الحركة في أمس إعرابا كما أنّها في حين وفي لاه أبوك شاذ ، فلا يجعل أصلا لغيره. قال قطرب : فإذا دخلت الألف واللّام في أمس ، فبعض العرب ينصبه ، ويقول : رأيته الأمس وبعضهم يخفضه كحاله قبل الألف واللّام ، ويقول : رأيته بالأمس وقال نصيب شعرا :
وإني حبست اليوم والأمس قبله |
|
ببابك حتّى كادت الشّمس تغرب |
انتهى كلامه.
قال الشيخ : الوجه في إدخال الألف واللام أن ينكّر أولا ثم يعرّف بهما ، فأمّا من نصب بعد إدخال الألف واللّام فهو القياس ، لأنّ الألف واللّام والتّنكير يرددان اللفظ إلى ما كان يجب عليه في الأصل.
وأما ما حكاه عن يونس أنّه سمع الكسر مع دخول الألف واللّام ، فالمتكلّم بذلك يجب أن لا يكون قد اعتدّ بالألف واللّام ، ولم ينكّر قبل دخولهما ، وبقي الكسر إيذانا بفعله ذلك ، ويكون هذا كقوله شعرا :