فأمّا ما قاله سيبويه فغير بعيد ، وقد أجازه قوم. وأنشد سيبويه شعرا :
بينما هنّ بالكثيب ضحى |
|
إذ أتى راكب على جمله |
وقولك : خرجت فإذا زيد قائم ، يجوز أن يقال : فإذا زيد قائم خرجت كما تقول : خرجت فإذا زيد ، لأنّ إذا ظرف مكان وسمّي الاسم به والمعنى : فحضرني زيد وإذ إذا جعل للمفاجأة كان في مثل معناه وأمّا مذ ومنذ فقد قال أبو العباس : أوّل ما يذكر من أمرهما أنّه يجوز أن يكون كلّ واحد منهما اسما وحرفا جارّا ولذلك قال سيبويه : إنّ مذ فيمن جرّ بها بمنزلة من في الأيّام ومذ ومنذ شيء واحد إلّا أنّ الأغلب على مذ أن يكون اسما وعلى منذ أن يكون حرفا لأنّ النّقصان إنما يكون في الأسماء والأفعال دون الحروف ، وذلك في نحو : دم ويد وخذ وكل.
والدّليل على أنّ مذ منقوصة من منذ أنّك لو سمّيت إنسانا أو غيره بمذ ثم صغرته لقلت منيذ ، فرددت ما ذهب فإنما هو بمنزلة لد ولدن ومن عل ومن علا وآتيك غدا وغدوّا ، فإن أردت في منذ أن يكون حرفا قلت : لم أرك منذ يومين ، ومذ يوم الجمعة ومعناه : من هذه الغاية ، وكذلك سرت من مكان كذا ، وإذا أردت أن يكون اسما قلت : لم أر ذاك مذ يومان أي أمد ذاك يومان وهذا ابتداء وخبر والرّفع في مذ أكثر. وإذا قلت : أنت عندنا مذ اللّيلة أو مذ اليوم صارت بمنزلة منذ التي غلب عليها الحرفية ، وذاك لأنّ العلّة التي يوجب منها الاسمية قد زالت لأنّك إذا قلت : لم أرك منذ يومان ، فالمعنى بيني وبينك يومان وإذا قلت : أنت عندنا مذ اللّيلة ، فليس معناه بيني وبينك اللّيلة ، إنما هو في اللّيلة فإنّما المعنى فإذا قال : رأيت زيدا مذ يومان ، فيجوز أن تكون الرّؤية متّصلة ، ويجوز أن يكون رآه في ذلك الوقت ، ثم لم يره بعده ، وإنّما هذا على قدر ما تقدم ، يقول القائل : إنّ زيدا يأتيك مذ مدة ، فأقول : أنا رأيته مذ يومان أو شهران ، وتأويل هذا إنّما حدثت هذه الرّؤية في هذا الوقت ، أو يقول القائل : زيد أيأتيك في كلّ يوم؟ فأقول : ما رأيته مذ يومان ، أي قد انقطع عنّي بعدهما ، ولو قال القائل مبتدئا : رأيت زيدا مذ يومان ، ثمّ لم يصله بكلام ، ولم يعطفه على كلام ، لم يحكم فيما بعد الوقت بشيء ويتصل بهذا أن تقول : رأيت زيدا مذ يومان ، يختلف إلى عمرو ، ورأيت زيدا مذ يومان يضرب عمرا ، فإنّما خبّرت بوقت الضّرب ولم تعرض لما بعده وتقول : رأيت زيدا يوم الجمعة أي أوّل ما فقدته أوّل يوم الجمعة ، فيقع النّفي على جميع اليوم كما كانت الرّؤية في جميعه. ويجوز أن يكون النّفي واقعا على بعض اليوم فيكون حدّ الرّؤية منه مجاوز الأول الفقدان ، وقول القائل : لا كالمشية زائر ومزورا معناه : لم أر زائرا كزائر رأيته اليوم ، قال : ولا يقولون في سائر الصّفات ، يعني الظّروف لا يقولون لا كنصف النهار ولا لا كهذه السّنة قال الشاعر شعرا :