روحوا العشيّة روحة مذكورة |
|
إن متن متن وإن حيين حيينا |
إن متن متن وإن حيين فلا أرى |
|
لا كالعشيّة إن بقين بقينا |
واعلم أنّ قول القائل : ما برحت أفعل كذا براحا. أي أقمت على فعله مثل ما زلت أفعله ، وهذا في الزّمان ولا بدّ له من خبر. فإن قلت : ما برحت من مكان كذا ، فالمعنى ما زلت براحا وبروحا ، وهذا في المكان كالأوّل في الزّمان وقد مضى القول فيه ، ويمضي في غير موضع من هذا الكتاب.
وقد قيل : إنّ براح اسم للشّمس معدول عن البارحة الزّائلة مثل قطام وقولهم جبل براح يوصف به الأسد والشّجاع ، لأنّ زواله متعذّر كأنه شدّ بالجبال ، وهذا غريب فيما يشتق ، ومثله قول القائل : البارح من الظّبا والطّير هو المنحرف عن الرّامي إلى جهة لا تمكّنه من الرّمي ، والسّانح المقبل المتعرّض في جهة تمكن. قال : ولذلك يتشاءم بالبارح ، ويتيمّن بالسّانح ، قال : فأمّا من تيمّن بالبارح ، فلأنه نجا ، ومن تشاءم بالسّانح لأنه هلك. وقول ابن الأحمر :
غدوا وأعدّوا الحيّ الزّيالا |
|
وشوقا لم يبالوا العين بالا |
الغدو يحتمل أمرين : يجوز أن يكون مصدرا ، ويجوز أن يكون اسم اليوم الذي يلي يومك ، فإن جعلته مصدرا يكون مثل غدا غدوا ، ويكون مفعولا وواعدوا الزّيال المفعول الثاني ، وينعطف عليه شوقا كأنّهم لمّا وعدوا بالزّيال المهيّج للشّوق فقد وعدوا بالشّوق.
ومثله الغدوّ في القرآن : (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) [سورة سبأ ، الآية : ١٢] فالغدوّ : مصدر بدلالة أنّه قابله بالرّواح ، والتّقدير مسيرة غدوّها مسيرة شهر ، وإن جعلته اسم اليوم فمثله قوله : بها يوم حلّوها وغدوا بلاقع. والمعنى في غدو : أعدوا الحيّ الزّيال وشوقا ، ويكون المفعول الثّاني محذوفا ، وأما قوله تعالى : (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) [سورة الرعد ، الآية : ١٥] فيجوز أن يكون الغدوّ : جمع غد مثل نحو ونحو ، ويقوّي ذلك أنّه قوبل به الجمع الذي هو الآصال ، ويجوز أن يكون المصدر ، ويقويه قوله : (بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) [سورة آل عمران ، الآية : ٤١] وقال :
أفد الرّحيل وليته لم يأفد |
|
فاليوم عاجله ونعذل في غد |
أي اليوم عاجل البين ، ونعذل في غد أي في أخبار غد يضيف المصدر إلى المفعول به لأنّه خرج بانجراره من أن يكون ظرفا ، فهو مثل : من دعاء الخير ، وبسؤال نعجتك ، وقال : وليس عطاء اليوم مانعه غدا. أي مانعه عطاء غد فحذف المضاف.