يمانع ، فقوله في الفصل الأول : بالحق ـ أي بما وجب في الحكمة وحسن فيها. وقوله في الفصل الثّاني قوله الحق ـ أي المحقوق الذي لا يحول ولا يغيّر إذ كان البدء لا يجوز عليه ، وأوائل الأمور في علمه كأواخرها.
والفصل الثالث قوله : (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) [سورة الأنعام ، الآية : ٧٣] يريد به أنه في ذلك الوقت متفرّد بتدبير الفرق والأمم وتنزيلهم منازلهم من الطّاعة والمعصية ، كما أبدأهم فكما كان تعالى الأوّل لقدمه يكون الآخر لبقائه ، لا مشارك له ، ولا مؤازر ، وأبين منه قوله في موضع آخر : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [سورة غافر ، الآية : ١٦] وهذا حال المعاد ، والمعنى إذا أردنا سوقهم بعد الإماتة للنّشر لم يخف علينا شيء من أحوالهم لأنّا نملكهم ، فأمرنا حتم لا تخيّر وفور لا تأخير ، والإحصاء يجمعهم ، والإدراك يعمهم. وقوله : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) [سورة الأنعام ، الآية : ٧٣] لم يشر به إلى وقت محدود الطّرفين ولكن على عادة العرب في ذكر الزّمان الممتد الطويل باليوم ، فهو كما يقال : فعل كذا في يوم فلان ، وعلى عهد فلان.
الفصل الرابع : قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [سورة الأنعام ، الآية : ٧٣] يريد أنّه لا يخفى عليه ما فيه لأنّه العالم لنفسه فلا يغرب عنه أمر ، والغائب عنده كالحاضر والبعيد كالقريب وهو حكيم فيما يقضيه عليم فيما يقضيه. لا يذهب عليه شيء من أحوال عباده ، ومن مواعيده فيحشرهم جميعا ، ويوفّيهم مستحقّهم موفورا.
ومنه قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [سورة يس ، الآية : ٣٧] إلى يسبحون ، قوله : نسلخ منه النّهار أي نخرجه منه إخراجا لا يبقى معه شيء من ضوء النّهار ، ألا ترى قوله في موضع آخر : (آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) [سورة الأعراف ، الآية : ١٧٥] ، وفي هذا دلالة بيّنة على ما تذهب إليه العرب من أنّ اللّيل قبل النّهار لأنّ السّلخ والكشف بمعنى واحد يبين ذلك أنّه يقال : كشطت الإهاب ، والجلد عن الشّيء ، وسلخته أي كشفته ، والسّلاخ الإهاب نفسه ، وسلخت المرأة درعها نزعته ، وسلخت الشّهر : صرت في آخر يوم منه ، وسلاخ الحيّة جلدها ، وإذا كان ذلك ، وكان الله تعالى قال : اللّيل نسلخ منه النهار ، والمسلوخ منه يكون قبل المسلوخ فيجب أن يكون اللّيل قبل النّهار ، كما أنّ المغطّى قبل الغطاء قوله : فإذا هم مظلمون ـ أي داخلون في الظّلام يقال : أظلم اللّيل إذا تغطى بسواده ، وأظلمنا دخلنا في ظلمات ، وهذا كما يقول : أجنبنا واشملنا ـ أي دخلنا في الجنوب والشّمال ، وأنجدنا ، وأتهمنا أي أتيناهم ، ثم قال : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [سورة ـ يس ، الآية : ٣٨] وهذا يحتمل وجوها من التّأويل.
أـ أن يكون المراد جريها لاستقرار يحصل له إذا أراد الله وقوفها للأجل المضروب