وقيل : إنّ باب الكهف كان بإزاء بنات نعش فلذلك لم يكن الشّمس تطلع عليه وإنما جعل الله تعالى ذلك آية فيهم ، وهو أنّ الشّمس لا تقربهم في مطلعها ولا عند غروبها. وقال الله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) [سورة الرحمن ، الآية : ٦] وقد بيّن الله المراد بما ذكرنا في آية أخرى فقال تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) [سورة الرعد ، الآية : ١٥] يريد الانقياد في الطاعة من الملائكة والمؤمنين في السّماوات والأرضين ، وأنه يستسلم من في الأرض من الكافرين كرها وخوفا من القتل ، وظلالهم بالغدوّ ، والآصال يؤدّي ما أودع من آيات الحكم وغرائب الأثر فسبحانه من معبود حقّت له العبادة من كلّ وجه ، وعلى كل حال فلا يتوجه إلا إليه وإن قصد بها غيره ، ولا تليق إلا به دون من سواه والدّاخر : الصّاغر ، ويقال : تفيّأت الشّجرة بظلها إذا تميلت. فأما قوله شعرا :
تتبّع أفياء الظّلال عشيّة |
|
على طرق كأنّهن سبوب |
فإنما أضاف الأفياء إلى الظّلال لأنه ليس كلّ ظل فيئا ، وكل فيء ظل ، وتحقيق الكلام تتبع ما كان فيئا من الظلال ، ومثله في الاتساع قول الآخر :
لمّا نزلنا نصبنا ظلّ أخبية |
|
وفاز باللّحم للقوم المراجيل |
لأن المنصوبة هي الأخبية ، ويقال : أظلّ القوم عليهم أي أوقعوا عليهم ظلالهم ، وإنما قال : وهم داخرون ، لأن المنسوب إليها من أفعال العقلاء ، فأعيرت عبارتهم ، وقد مضى مثل هذا.
ومنه قوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) [سورة الروم ، الآية : ١٧] إلى تظهرون.
اعلم أنّ قولك : سبحان مصدر كقولك : كفران ، وغفران إلا أنّ فعله لم يستعمل ، ولو استعمل لكان سبح مثل كفر وغفر ، ومعناه التّبعيد من أن يكون له ولدا ، ويجوز الكذب عليه والتّنزيه له ، والبراءة من السّوء وكل ما ينفى عنه إلا أنه التزم موضعا ولم يجر مجرى سائر المصادر في التّصرف والاستعمال. وذلك أنّه لا يأتي إلا منصوبا مضافا وغير مضاف ، لكنّه إذا لم يضف ترك صرفه فقيل : سبحان من زيد ، قال الأعشى شعرا :
أقول لمّا جاءني فخر |
|
فسبحان من علقمة الفاخر |
فلم يصرفه لأنّه معرفة في آخره ألف ونون زائدتان فهو كعثمان ، وسفيان كأنّه أجرى مجرى الإعلام في هذا ، وهم يحملون المعاني على الذّوات في تخصيصها بأشياء كالأعلام لها ، وعلى ذلك أسماء الأفعال ، فأمّا قولهم : سبّح تسبيحا ، فهو فعل بني على سبحان ، ومعنى سبّح الله ، أي قال : سبحان الله فهو عروض قولهم : بسمل إذا قال بسم الله ، وقد