أطلق سبّح في وجوه سوى هذا.
منها الصلاة النّافلة يشهد لهذا قوله تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) [سورة الصافّات ، الآية : ١٤٣] أي من المصلّين ، وهو مستفيض أنّ السّبحة هي النافلة ، وكان ابن عمر يصلي سبحته في موضعه الذي يصلي فيه المكتوبة.
ومنها الاستثناء كقوله تعالى : (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) [سورة القلم ، الآية : ٢٨] أي لو لا تستثنون. وقيل : هي لغة لبعض أهل اليمن وليس للكلام وجه غيره لأنّه تعالى قد قال : قبل ذلك : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ ، وَلا يَسْتَثْنُونَ) [سورة القلم ، الآية : ١٧ ـ ١٨] ثم قال : (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) [سورة القلم ، الآية : ٢٨] فأذكرهم تركهم الاستثناء ، والمراد من الله تعالى أن يعرفنا عبادته ويعلمنا حمده وما يستحق به إذا أقمناه وكأنه قال : سبّحوا الله في هذه الأوقات وتذكّروا في كلّ طرف منها ما يجدد عندكم من أنعامه ، ثم قابلوا عليه بمقدار وسعكم من الحمد والتّسبيح. قوله : حين تمسون وحين تصبحون ـ أي إذا أفضيتم إلى الصّباح والمساء وحق النّظم أن يكون حين تمسون وحين تصبحون وعشيا وحين تظهرون ، لكنه اعترض بقوله تعالى : (لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة الروم ، الآية : ١٨] ومثل هذا الاعتراض إلا أنه أبين الفعل والفاعل قوله شعرا :
وقد أدركتني والحوادث جمّة |
|
أسنّة قوم لا ضعاف ولا نكل عزل |
وفي القرآن : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [سورة الواقعة ، الآية : ٧٥ ـ ٧٦ ـ ٧٧] ، ففصل بين اليمين وجوابها كما ترى ، وحسن ذلك لأن المعترض يؤكّد المعترض في الأوّل ، والحمد إذا اقترن بالتّنزيه والتّسبيح صار الأداء أوفر بهما وأبلغ ، والصّبح ، والصّباح ، والإصباح كالمسيء ، والمساء ، والإمساء ، وهذا مما حمل فيه النّقيض على النّقيض ، وعلى هذا المصبح والممسي ، وجاء فالق الإصباح ، ويعني به الصّبح وصبّحت القوم أتيتهم صباحا ، أو ناولتهم الصّبوح ، ويقولون : يا صباحاه إذا استغاثوا ، والمصباح السّراج ، واصطبحت بالزّيت ، والصّباح قرط المصباح الذي في القنديل والعشي آخر النهار ، فإذا قلت عشيّة : فهي ليوم واحد ، والعشي السّحاب لأنه يغشى البحر بالظّلام الذي يتلخّص به الآية أن يعلم أنّ المساء منه ابتداء الظّلمة كما يكون من الصّبح ابتداء النّور ، والظّهيرة نصف النّهار ، وفلان يرد الماء ظاهرة إذا ورد كلّ يوم نصف النّهار يقول ، فعلموا الله تعالى بما يدلّ عليه آياته في الصّباح والمساء ، والغدو ، والرّواح فإنّ في معنى كلّ لمحة من هذه الأوقات بما يحويه من غرائب صنع الله في تبديل الابدال ، وتحويل الأحوال وإيلاج اللّيل في النهار والنّهار في اللّيل إيجاب شكره علينا معشر عبيده مؤتنف ،