وحكي عن أبي عبيدة قال : قلت لأعرابي : ما أسحّ الغيث قال : ما ألقحته الجنوب ومرته الصّبا ونتجته الشّمال. ثم قال : أهلك واللّيل ما يرى إلا أنه قد أخذه. وقال الأصمعي : قيل لرجل : كيف وجدت أرض بني فلان؟ قال : وجدتها أرضا شبعت قلوصها ، ونسيت شاتها يعني لا يذكر. قال : فهل مع ذلك خوصة؟ قال : شيء قليل كل ما خرج عود ثم قوي فهي خوصة. قال والله ما أحمدت وإن كان القوم صالحين.
قال ابن الأعرابي : أخصب الخصب عند العرب فيما ذكره أبو صالح إذا كان الخوص وافرا ، وقال رائد مرة : تركت الأرض مخضرة كأنما حولانها قصيصة رقطا وعرفجة خاصبة ، وقنادة مزيدة ، وعوسج كأنّه النّعام من سواده مزيدة أي قد أورقت.
وحكي عن أبي المجيب ووصف أيضا جدبة فقال : قد اغبرّت جادتها ـ ودرع مرتعها ـ وقضم شجرها ـ وألقى سرحاها ـ ورقت كربتها ـ وخوّر عظمها ـ وتميّز أهلها ، ودخل قلوبهم الوهل ـ وأموالهم الهزل. قال : الجادّة الطريق إلى الماء. قوله : وألقى سرحاها : هو أن يأكل كلّ سرح مذيلها ، حتّى يلتقيا من الجدب ، قال : وإذا لم يكن للمال مرعى إلّا الشّجر رقّت أكراشه ، وخوّر عظمه. قوله : درع مرتعها : أكل ما عليه حتّى لم يبق شيء وهو مأخوذ من الشّاة الدّرعاء.
وقال أبو المجيب يصف أرضا قد أحمدها ، فقال : خلع شيحها ـ وأبقل رمتها ـ وخضب عرفجها ـ واتّسق نبتها ـ واخضرّت قرياها ـ وأخوصت بطنانها ،. وأحلت آكامها ـ واعتمّ نبت جراثيمها ـ وأحزت بقلتها ـ وذرقتها وخبازتها ـ وخوّرت خواصر إبلها ـ وشكرت محلوبتها ـ وسمنت قتوبتها ـ وعمد تراها ، وعقدت تناهيها ، وأماثت ثمادها ـ ووثق النّاس بصائرتها.
قوله : خلع شيحا إذا أورق ، والمخالع من العضاة : الذي لا يسقط ورقه أبدا. ويقال : كلح الشّجر إذا انحرد. قوله : خضب عرفجها : أي اسودّ النّبات قبل أن يطلع ، والرّمث من الحمص مخصب ثم عاد ـ ثم سقد ـ ثم يرمس ـ يقال : أطلع الشّجر إذا أورق وتفطّر ـ واتقد ـ وأربس ـ وأرمس ـ وأرى العرفج ـ وبقل الرّمث خاصة ـ وأجدر الشّجر إذا طلع ثمره حتى كأنّه الجدري.
قوله ؛ أخوصت : أي نبت فيها عيدان رطبة فهي خوصة ما دامت رطبة فإذا يبست فهي شجر ، ولا يخوص من الشّجر إلّا ما لم يكن له شوك. قوله : أحزت لفلتها أي نبت فيه الحزا ، وهو نبات يسمّى الحزا كما تقول العلقة ـ والحيلة ـ والفتلة ـ فالحيلة للسلم ـ والعلقة للطّلح ـ والفتلة للسّمر ـ والذّرق الحندفوق. قوله : خوّرت خواصرها : هو أن يؤخذ جنبها