المخلوق وللأمر في اللغة وجوه تجيء ومعناه الإرادة والحال ومصدر أمرت ، وتختص هنا بالإرادة على ذلك قوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [سورة الروم ، الآية : ٥٤]. والمعنى الأمر كله له لا شريك معه في شيء ولا معين ، ولا وزير ، ولا ظهير. وإنّ إرادته هي النافذة لا ترتد ولا تبوء ، ولا تتوقّف ، ولا تكبو ، بل يحصل المراد على الوجه الذي يريده بلا تعب ولا نصب.
قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [سورة غافر ، الآية : ٦٤] تمجيد وتجليل ، وهذا تعليم من الله كيف يمجد كما أنّ قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [سورة الفاتحة ، الآية : ٢] ، تعليم كيف يحمد ، والعالمين الخلائق. وقال بعضهم : هو من العلامة لأنه بآثار الصّنعة فيه يدل على الصّانع فهو كالعلامة له في الأشياء ، وقيل هو من العلم كأنه علم الصانع جرى مجرى قولهم الخاتم والطّابع لأنه يختم بهما الشيء ويطبع ، ثم اختير له جمع السلامة لغلبة العقلاء النّاطقين. وقوله تعالى من الآية الأخرى : (ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) [سورة فصّلت ، الآية : ٩] بعد قوله : (لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) تبكيت للمخاطبين وإزراء بهم. وإنّ أمثال كيدهم لا يعبأ بها ولا تأثير لها مع خالق أصناف الأشياء كلّها على اختلاف فطرها. وتلخيص الكلام أتكفرون بمن هذه آثاره ، وتجحدون نعمه عليكم ، مع ادعاء شركاء له ذلك رب الأرباب وخالق الأرض والسّماوات ، وهو لنا ولكم بمرصاد.
ومعنى قوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) [سورة فصّلت ، الآية : ١١] بيان التكوين ، وقوله تعالى : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [سورة فصّلت ، الآية : ١١] بيان حسن الطاعة ، وسرعة التكوّن لكنه لمّا جعل العبارة مبنية على الابتداء والجواب بالألفاظ المستعارة والأمثال المضروبة لتمكن في نفوسهم وتعشش في صدورهم جريا على عادتهم في أفانين الكلام ، وأساليب التّصاريف في الاستفهام والأفهام ، وإخراجهم ما لا نطق له البتّة في صورة النّاطق حتى صارت أجوبة أسند لهم إذا واجهوها ، وإن كانت من عندهم كأنها من مخاطب ، إذ كان اعتبارهم يغني عن الجواب والمجيب ، حتّى قال بعضهم : إذا وقفت على المزارع المرفوضة والدّيار الدّارسة المتروكة فقل : أين من شقق أنهارك وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك؟ أين من بنى دورك وأسّس ربوعك وعرّش سقوفك؟ فإنها إن لم تجبك جوارا أجابتك اعتبارا. فعلى هذا الذي رتّبنا الكلام صار ظاهر بناء الأمر بالإتيان طوعا أو كرها إيجابا لحصول الفعل حتى لا معدل عنه إذا كان وقوع الفعل من الفاعلين لا يقع إلّا على أحد هذين الوجهين ، وهذا كاف لمن تدبّر.
فأمّا الطّوع والكره والطائع والمكره واستعمال النّاس لهما فيما يثقل أو يخف ويهون أو يشتد فظاهر ، وقد قال الله تعالى في قصة ابني آدم : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) [سورة