حائل بينهما وذلك تكوينه لهما جميعا كما أراد. وهذا كما يقال : فعلنا كذا ، ثم استوينا على طريقنا ، أو استمررنا فيها سائرين ولم يشغلنا عن الامتداد شاغل. قال زهير في مصداق ذلك :
ثم استمرّوا وقالوا إنّ موعدكم |
|
ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك |
ويروى ثم استووا ، وتنادوا ، وقد كان الله تعالى قبل تسويته إياها على ما هي عليه خلقها دخانا ، فكون بعد ذلك من الدّخان سماء وشمسا وقمرا وكواكب ومنازل وبروجا وقوله : (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [سورة يونس ، الآية : ٣] يريد الاستيلاء ، والملك يدل عليه قول بعيث :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
يعني بشر بن مروان لما ولي العراق ، والعرش يحتمل أن يكنى به عن الملك وإن كان الأصل فيه ما يتخذه الملوك من الأسرّة ، ولهذا قيل لقوّام أمر الرّجل العرش ، وإذا اضطرب قيل ثلّ عرشه ، ويحتمل أن يراد به السّماوات والأرض لأنّ كلها سقف عند العرب ، ويقال: عرشت الشيء ، وسمكت ، وسقفت ، وسطحته بمعنى ، ويكون مجيء ثمّ على هذا النّسق خبرا على خبر لا لترتيب وقت على وقت ومثل هذا قول الشاعر :
قل لمن ساد ثمّ ساد أبوه |
|
ثم قد ساد بعد ذلك جدّه |
وذكر بعض شيوخ أهل النظر أنّ ثم إنما هو لأمر حادث ، واستيلاء الله على العرش ليس بأمر حادث بل لم يزل مالكا لكل شيء ، ومستوليا على كل شيء فيقول : إنّ ثم لرفع العرش إلى فوق السّماوات وهو مكانه الذي هو فيه فهو مستول عليه ومالك له فثمّ للرفع لا للاستيلاء ، والرّفع محدث ، قال ويشبه هذا قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) [سورة يونس ، الآية : ٣١] لأنّ حتّى يكون لأمر حادث وعلم الله ليس بحادث. وإنّما المعنى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك وإنّما قال هذا لأنه لم يعرف ما ذكرناه من الوجه الثّاني في ثم ، ومعنى يغشى اللّيل النّهار أي يغطي ضياءه ونوره ، فهو كقوله : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) [سورة لقمان ، الآية : ٢٩] قوله : يطلبه حثيثا أي يطلب اللّيل النّهار ، والحثيث السّريع ، وذلك كما قال : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) [سورة يس ، الآية : ٤٠] جعل التّعاقب كالطّلب وقد مرّ القول في ذلك مستقصى.
قوله تعالى : (مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ) [سورة النحل ، الآية : ١٢] أي بإرادته وانتصب القمر وما بعده بالفعل ، وهو خلق ، ومسخّرات انتصبت على الحال أي سخّرت بالسير ، والطّلوع والغروب. قوله تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [سورة الأعراف ، الآية : ٥٤] المراد بالخلق