وذكر بعضهم هذا فقال : خير الورد ما كان أوّل النّهار وشره ورد العشي حتى أنهم يتعايرون به ، وذكر البيت وخالفه آخر فقال : خير الورد ما وافق الحاجة ثم أنشد :
أوردها مهجرا يسار |
|
يسار لا يروي يدا العشار |
ليس بإيراد العشيّ عار |
قال أبو عبد الله : والذي بسط له النبي صلىاللهعليهوسلم رداءه أشج عبد القيس واسمه عائذ بن عمرو ، وقال له : «فيك خصلتان يحبّهما الله : الحلم والإناءة» قال : هما فيّ أو شيء جبلني الله عليه ، فقال : «جبلك الله عليه» فقال : الحمد لله الذي جبلني على ما أحبّ أو نحو ذلك.
وحكى هشام عن أبيه أنه أخبره رجل من رحبة حمير قال : كنت في جمة فبينا نسير في بعض مفاوز اليمن فأضلّلهم بعارض عرض وقد سرت ثلاثا لا أرى أنيسا إذ دفعت إلى شجر وظلّ وماء معين. وقد ظمئت وأكللت فإذا أنا بشيخ له غديرتان بيضاوان كأنّهما ينطفان بالدّهان ، وعليه حلة كأنّها فارقت من يومها الصّبيان ، وبين يديه بغلان حضرميّتان كأن لم تنالا بوطء ، وهو قائم يصلّي بقراب ما بين شجرات عم ، فدنوت وسلّمت ، وإنّ رأسه ليحاذي قمّة رأسي وإنّي لعلى نجيب ساف عليك. ثم أنخت وشربت من الماء وسقيت بعيري وجلست وراءهما ، فلما أحس بجلوسي ركع وسجد ثم ردّ عليّ سلامي.
ثم قال : من أين وضح الرّاكب؟ فقلت : من رمع فقال : ما بالك على غير سمت؟ فقلت : ما زلت على لقم بهجم أؤم أطراف قوادم الفجر الأشمل ، ومنكب الأريب الأيمن حتّى هبطت بالأمس غوطا ملطاطا ، حين طفل الأصيل فبتّ حيث طخطخ اللّيل بصري ، فلما تهور اللّيل شبه لي ثائبة رعاء فثاء ذلك عني بعض ما كان يشيزني ، ثم ثبت فحله أن قد استثبت فقمت إلى بعيري فغيرت عليه.
ثم ركبت أؤم الأصوات وكأنني في أكساء أهلها ، وما يزداد إلّا بعدا فتفزّع عنّي سربال اللّيل ، بين نعاف متواصية ، فزلت أخبطها سحابة يومي متوسّما تارة ومتعسّفا أخرى ، حتى رفع لي هذا السّواد ، حين نجهت من نقب ، ذلك القف فرمته حتى أضافني إليك هذا الضّوح ، فقال : حسبك بواقيه الموقى جنه ـ ولو كنت ذا خبر تكنه ، خطر ما هجمت عليه ما رأيت للنّوم سميرا ، فقابل النّعمة بالسّلام بشكرها ، فقال : يا بن أخي السّماء غطاء ، والأرض وطاء. وأما موطن وراء هذا الضّراء فقد أخذتني منه وحشة ، وقلت : يا عمي هل أنت بمخبري عمّا رأيت من عجائب الدّهر في مدة أيامك؟ فقال : نعم أرأيت النّعاف المتقابلات ، والغيطان المتواصيات اللّواتي جرعتهن سائر اليوم؟ قلت : نعم. قال : هل أحسست هنالك رسما واضحا ، وإثرا ماضحا؟ قلت : لا. قال : والله يا بن أخي لقد عهدت بتلك البيضة الفيحاء مجادل كالشّناخيب ، مشرفات المحاريب ، يرى الرّاكب شعافها من منزلة ثلاث ،