وروي عن شيخ من العرب أنّه سرى برفيق له فتعب ، فقال لرفيقه : هذا الجدي جداه كثيرة فلم أدر أيّها هو ، ولذلك قال الآخر شعرا :
بصباصة الخمس في زوراء مهلكة |
|
يهدي الأدلّاء فيها كوكب وحد |
وقال الفرزدق يهجو عاصما العبدي ، وكان أدلّ العرب وأعرفهم بالنّجم وأقدمهم على هول اللّيل باللّيل ، وأراد أن يضلّ الفرزدق ويقتله غشّا وذاك أنّه استصحبه إلى المدينة ليلقى سعيد بن العاص ، ورغبه في جعله ، فلما ركب الفلاة أراد أن يغتال الفرزدق ليحظى به عند زياد ويحبوه ويعطيه ، فلما كانا في اللّيل وأمعنا في السّير انتبه الفرزدق فإذا النّجم على غير الطريق ، فصاح بالعنبري إنّك على غير الطريق ، فانتبه فقال : أنت على الطريق ، ناولني إداوتك فإنّي عطشان وخبّأ اداوته ، فقال الفرزدق : والذي أحلف به لتموتنّ قبلي ، وشهر السّيف عليه فأقامه على الطّريق ، وعرض لهما الأسد على الطّريق ، فقال العنبري هذا الأسد على الطّريق ، فأناخ الفرزدق ناقته وأخذ سيفه وجحفته وأقبل إلى الأسد وهو يقول :
فلأنت أهون من زياد شوكة |
|
اذهب إليك محزّم الشّغار |
فتنحّى الأسد عن الطريق ومضيا ، فقلب الفرزدق هذا المعنى كله ونسب العنبري إلى الجبن وأنه ليس بالخرّيت راع لا يصلح إلّا لرعي الغنم وطعن في نسبه. فقال شعرا :
ما نحن إن جارت صدور ركابنا |
|
بأوّل من عزّت هداية عاصم |
أراد طريق العنصلين فياسرت |
|
به العيس في ناي الصّوى متشايم |
(العنصلين) على طريق مكة ، (وياسرت) : أخذت يسارا و (المتشايم) الآخذ إلى الشام ، قال : وسمعت فصيحا يقول : توصّلوا أتوا الموصل فأسقط الميم.
فكيف يضلّ العنبريّ ببلدة |
|
بها قطعت عنه سيور التمائم |
أي لو كان عنبريا لعرف بلاده.
فإنّ امرؤ ضلّ البلاد التي بها |
|
تغبّر ثديي أمّه غير حازم |
(تغبّر) : أي أتم رضاعه ، والغبر بقية اللّبن.
بلاد بها ذلّت يديه ورأسه |
|
ورجليه من جار استها المتضاجم |
يعني (بالجار) الفرج وأصل (الضّجم) العوج في شفتي الرّجل.
شعر :
ولو كان في غير الفلاة خنوعا |
|
خنوعا بأعناق الجداء التّوائم |