بإلهيته ، ويدعو إلى عبادته وينفي عنه مشابهة لخلقه ، وجميع ما لا يليق بحكمته. ومعنى يسبّح بحمده أي ينزهه ، إما إعرابا باللّسان ، أو دلالة بواضح البرهان ، وفائدة قوله : (يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) أي فيما يظهر من حكمته في خلق ما خلق. والأنعام على من أنعم حمدا له إذا لم يكن إعداد الشّكر في مقابلة النّعم أكثر من إضافة النّعم إلى المنعم ، فإذا كان الحمد تولية النعمة ربّها وإشادة ذكره ونسبتها إليه ، فآثار النعم حامدة شاكرة لمسديها. ألا ترى إلى قول القائل : (ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب). فنسبة الثناء إلى الحقائب كنسبة التّسبيح بالحمد لله إلى الدّال عليه والمقيم له. وهذا حسن بالغ. قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [سورة الإسراء ، الآية : ٢٢] أي تجحدونه ، أو تعرضون عنه فعل من لا يفهم وهذا كقوله تعالى يصفهم : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) [سورة الأعراف ، الآية : ١٧٩] ، ثم قال : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٧٩]. قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) [سورة الإسراء ، الآية : ٤٤] ، يريد هو حليم حين لم يعاجلهم فيما ادّعوه بالعقوبة ولكن تركهم إمهالا ورفقا ، وهو غفور لمن أناب وإن ارتكب كلّ منكر قبيح رحمة منه لعباده وحسن تفضّل.
ومنه قوله تعالى : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ) [سورة الحديد ، الآية : ٢] إلى (عَلِيمٌ) ، أثبت الله لنفسه أنه القادر الغالب ، فهو يملك وجميع ما تدركه الأبصار والأوهام من أصناف العالم جليلها ودقيقها ، خيرها وشرّها ، يتصرّف فيها كما شاء ؛ واختار تصرّف الملاك ، فهو ملك مالك يبدئ ، ويعيد ، ويحيي ويميت ، وقد أقرّت له الصعاب. وتذلّلت له الرّقاب. لا يمتنع عليه مراد وإن عزّ وشقّ. ولا يوجد عنه ذهاب فيما ثقل أو خفّ. إليه آماد الأعمار ، والأرزاق ، ومصارف البقاء والفناء فهو القادر الحكيم ، والعالم الغني ، لا يخفى عليه معلوم وإن دقّ ، ولا يعزب عن الظّهور له مطلوب وإن رقّ ، الأول في الوجود لقدمه لا عن ابتداء مدة ، والآخر بعد فناء كل شيء خلقه في الدّنيا لبقائه لا إلى غاية ، لم يزل ولا يزال على ما هو عليه من ديموميته ، وحكمته ، وصواب فعله وقدرته ، يحيي الأموات إذا شاء ، ويميت الأحياء إذا شاء ، ويفني المخلوقات إذا شاء ، ويعيدها إذا شاء. الظّاهر بما له من آياته التي لا تخفى ، وعبره التي لا تفنى ، والباطن لأنه لا تدركه الأبصار ولا تحصله الحواس ، وهذا وجه في الآية. وقيل : أراد بالظّاهر أنّه غالب على كل شيء ، بما دلّ به على نفسه ، من أصناف صنعه كما قال تعالى : (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) [سورة الصف ، الآية : ١٤] ، أي عالين غالبين ، ويقال : ظهرت على الجلي الواضح الذي هو كالجمر. وقيل في الباطن التي هي في خفائها كالسّر فهو بما تجلّى منها ظاهر ، وبما خفي منها باطن ، وهذه آية لها جوانب تقتضي الكلام عليها وأنا إن شاء الله أبلغ الغاية بمقدار فهمي.