ونار أخرى : وهي نار الحرّتين وهي نار خالد بن سنان ، ولم يكن في بني إسماعيل نبيّ قبله ، وهو الذي أطفأ الله تعالى به نار الحرّتين ، وكان حرّة ببلاد عبس ، فإذا كان اللّيل فهي نار تسطع في السّماء ، وكانت طيّء ينفش بها إبلها من مسيرة ثلاث ، وربّما ندرت منها العنق فتأتي على ما تقابله فتحرقه. وإذا كان النّهار فهي دخان يفور فبعث الله تعالى خالد بن سنان عليهالسلام ، فأطفأها وله قصة مرويّة.
وروي أنّ ابنته قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فبسط لها رداءه وقال : «هذه ابنة نبيّ ضيّعه قومه» وأنشدوا شعرا :
كنار الحرّتين لها زفير |
|
تصمّ مسامع الرّجل البصير |
ونار أخرى وهي التي أطفأها خالد بن الوليد لمّا أرسله رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليها ، وكان السّادن احتال حتى رماه بشرر يوهمه أنّه لتعرّضه لها فقال : كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك ، فكشف الله تعالى ذلك الغطاء برسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فأما نيران السّعالي والجن والغيلان فلها شأن آخر. والنّار التي توقد للظّباء وصيدها معلومة.
ومن النّيران المذكورة نار أبي حباحب ، ونار الحباحب أيضا ، وقيل أبو حباحب رجل كان لا ينتفع به في ماعون ولا في موقد نار ، فجعل ناره مثلا لكلّ نار تراها العين ، ولا حقيقة لها عند التماسها ونسبت إليه. وقال القطامي :
ألا إنّها نيران قيس إذا شتوا |
|
لطارق ليل مثل نار الحباحب |
ويشبه نار الحباحب نار البرق.
ونار اليراعة ، واليراعة : طائر صغير يصير باللّيل كأنّها شهاب قذف أو مصباح يطير. وكانوا ربّما أوقدوا نارا واحدة وربّما أوقدوا نيرانا عدة ، وربّما أوقدوا نارين. فالواحدة توقد للقرى ، ويستدلّ بها الضّالّ والمتحيّر في الظّلمة في اللّيل البهيم. والمطعام يوقد اللّيل كلّه في الشّتاء. ولذلك قال الشّاعر شعرا :
له نار تشبّ بكلّ واد |
|
إذا النيران ألبست القناعا |
وما أن كان أكثرهم سواما |
|
ولكن كان أرحبهم ذراعا |
وقال مزرد :
وشبّت له ناران نار برهوة |
|
ونار بني عبد المدان لدى الغمر |
فامّا الإكثار من النيران في مجمعهم فكما يكثرون من الذّبح فيه مخافة أن يجزرهم