وكان الجاحظ ينفيه ويقول : لم يتواتر الخبر به ويقول أيضا : لو انشق حتى صار بعضه في جبل أبي قبيس لوجب أن يختلف التقويمات بالزيجات لأنه قد علم سيره في كلّ يوم وليلة فلو انشقّ لكان وقت انشقاقه لا يسير.
ومنه قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) [سورة الملك ، الآية : ٣] إلى (وَهُوَ حَسِيرٌ) أوّل السورة (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [سورة الملك ، الآية : ١] وليس تفاعل هذا كتفاعل الذي يفيد التكلّف للشيء عن غير موجب له نحو تخازر ، وتعارج ، وتساموا ، وتجاهلوا لكنّه بمعنى فعل وأصل البركة البقاء والزّيادة ، وكذلك لفظة تعالى في صفة الله ، فهي بمعنى علا ومثله لعلا وتكبّر بمعنى كبر وعلا ، وهذا كما يقال : علا قرنه ، واستعلاه وقال زهير : وكان أمرين كلّ أمرهما يعلو. ومثله قرّ واستقر ، وهزأ ، واستهزأ ، ويشهد لما قلنا قول امرئ القيس : تجبر بعد الأكل فهو نميص. وإنّما يصف نبتا قد رعي ثم عاد منه شيء فتجبر بمعنى جبر من قوله : قد جبر الدّين الإله فجبر.
وقد كشف عن المراد بقوله : فهو نميص أي لقصوه كأنّه ينمص بالنّماص ، وهو المنقاش ، ومتى جعلت تجبر صار كالجبارة ، وهي النّخلة التي فاتت اليد طولا وأوقع آخر الكلام أوّله لأنّ المنموص لا يتجبّر ولا يطول. وعلى هذا قوله تعلّى الندى في متنه وتحدّرا يريد علا وحدر ، وأنشد أبو عبيدة : تخاطأت النّبل أحشاءه معناه أخطأت ، فهذا شاهد تبارك وتعالى ، ومثل هذا أجاب ، واستجاب وقوله تعالى : (بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [سورة الملك ، الآية : ١] أي يملك الملك الذي يمكّن عباده منه ، ويصرفهم فيه ، فالبقاء له والقدرة والتمكّن ، والقمر بأمره وحكمه ، وإضافة الفعل إلى اليد ضرب من التّوسع يقال : وفي يدي وملكي وفي قبضي ، وهو قبضي. قال تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [سورة الزمر ، الآية : ٦٧] أي يحكم فيها حكما لا قصور فيه عن المراد ، ولا تجاوز إلى أكثر من المرتاد ، ففعله وفق إرادته ووفق قصده وإرادته ، فخلق الحياة لمن يريد استبقاءه ليعبده ، والموت إلى غير ما هو عليه إخبارا منه لطاعة المطيع منهم ، فيشيبه ومعصية العاصي منهم فيعاقبه ، وهو العزيز فلا يفوته الهارب ، القدير فلا يعجزه المغالب. قوله تعالى : (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) أي بعضها فوق بعض وعلى حدة ، فيطابقه ، ويشابهه ، ولا يخالفه فيباينه وقال الشاعر شعرا :
إذا نزل الظلّ القصير بنحره |
|
فكان طباق الخف أو قل زائدا |
ويقال : طابق فلان فلانا على كذا إذا وافقه عليه. ويقال : النّاس طبقات أي بعضهم فوق بعض. ومنه قولهم : طابق البعير إذا وضع خفيّ رجليه في موضع خفّي يديه. وقد قال تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) [سورة فصلت ، الآية : ١٢] فقوله الدّنيا يدل على أن