خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ) [سورة الملك ، الآية : ٣] فكان المراد انظر ، فارجع ، ثم ارجع أي لا ترض بالنظرة الأولى ولكن راجع بعدها ، ثم راجع ، وإذا كان التكرار هو الرّجوع إلى الأول ، والأول هنا النّظر المضمر فقوله تعالى : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) كرّر أوّل إلى النظر المستدل عليه ، وقوله : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) ، وإذا كان الأمر على هذا لم تحصل ثلاث كرّات فلذا اتّبع الكلام بقوله كرّتين وهذا جيد بالغ ، وقوله تعالى : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) أي من شقوق وصدوع.
وقوله تعالى : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) [سورة الملك ، الآية : ٤] المعنى إنك إن أدمت النّظر ، واتبعت البصر تطلب العيب في حكمة الله والفطور في صنعه رجعت من مطلوبك خاسر الصفقة ، صاغر الرجعة ، خائب الطلبة بعيدا من البغية ، والخاسئ من قولك خسأت الكلب إذا طردته وبعدته خسأ ولا تقل انخسأ ، والحسير الكال المعى. ويقال : إبل حسرى لأنّ حسيرا فعيل بمعنى مفعول ، فهو كجريح ، وجرحى.
ومنه قوله تعالى : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) [سورة الرحمن ، الآية : ٣٧] الآية ، وقوله: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [سورة الفرقان ، الآية : ٢٥] خضراء ملساء متّصلة الجوانب والأكناف مرتبة الوسائط ، والأطراف محفوظة من مسترقة السّمع بما أعدّ لها من الارصاد.
وتلخيص هذا يبين إذا ضمّ إلى قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) وإلى قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٠] لأنّ المعنى يأتيهم أمر الله ، والسّماء كالوردة ، وقد انفطرت بالغمام أي تنشق بها ، والملائكة تنزل منها في الغمام فكأنها تنشق ، وهم في تكاثفهم ، وتراكمهم بما معهم كظل من الغمام وهذا كما يقال : رعف الباب بفلان ـ أي جاه من قبله ، وسال الوادي ببني فلان إذا خرجوا منه ، وكقول الشاعر :
وسالت بأعناق المطيّ الأباطح
وكما قال :
ألا صرمت حبائلنا الجنوب |
|
ففرّقنا ومال بنا قضيب |
قضيب : واد باليمامة ، والمعنى أنجدنا لما افترقنا ، وانهمت هذه المرأة ويقال : نزل بقارعة الوادي ـ أي أعلاه ، وقوله : مال بها ، كقوله : سالت الأباطح بأعناق المطي قوله تعالى : (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) [سورة الرحمن ، الآية : ٣٧] يريد تحوّلها عما كانت ، والورد الأحمر وليس بمشبع قال :