فهو ورد اللّون في ازبئرار |
|
وكميت اللّون ما لم يزبئر |
وقال الفراشية : تلوّن السّماء تلون الوردة من الخيل لأنّها تكون في الرّبيع إلى الصفرة ، فإذا اشتدّ البرد كانت وردة حمراء ، فإذا كانت بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة قال عبد بني الحسحاس شعرا :
فلو كنت وردا أحمرا لعشقتني |
|
ولكنّ ربّي شانني بسواديا |
وقيل في الدّهان : إنها جلود حمر ، وقيل : هي جمع دهن ـ أي تمور كالدّهن صافية ، والشاهد لهذا قوله تعالى : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) [سورة الطور ، الآية : ٩] أي تتميع. وقال تعالى : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) [سورة المعارج ، الآية : ٨] وهو الصفّر المذاب ، وكان التّشبيه وقع بالذّوب ، فيكون المور والذّوب على طريقة واحدة ، وقوله تعالى : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) [سورة الفرقان ، الآية : ٢٢] ، وقوله تعالى في سورة الرّحمن : عند ذكر وعيد الكفار ، والإنذار من يوم الحشر ، والمعاد وما يجري مجراه من الاقتصاص ، والأمر بالعدل والإنصاف : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [سورة الرحمن ، الآية : ١٣]. سأل سائل : أي شيء في هذا من الآلاء حتى ذكره الله ممتنا به في جملة ما عدّده من صنوف النّعم ، ووجوه القسم في الأولى والآخرة.
والجواب إن الله تعالى منعم في كل حال ومذكّر بما يزيد المتعبد استبصارا في الأمر الأولى ونفورا ، وزهدا في الدّنيا ، وواعظ بما يكون السّامع له أقرب إلى الطّاعة فيما يعمله من الاستطاعة ، وإذا كان الأمر على هذا فنعمه على خلقه في الإنذار والإعذار مثل نعمه في التّبشير والتّحذير إذ كان الصّارف عن الشر بلطفه مثل الباعث على الخير بفضله ، وقد توعّد الله جاحدي نعمه والمهملين لآياته ونذره بالخسف والرّجف والخزي الثّابت ، والبعث المفاجئ ، والمسخ المرصد والرّيح العاصف والزّلازل ، والصّواعق بعد أن أمضى بها أو بأكثرها الحكم على من حقت عليه الكلمة فمن سعد ووعظ بغيره فأجاب حين دعي ، وأدرك لما بصر ونفعته المهلة والإملاء ، واستسعد بالإعادة ، والإبداء ونبهه ضرب الأمثال والمبالغة في الإبلاغ.
ثم عرف حال أولئك المستمرين في الضّلالة والذّاهبين عن طريق الهداية ومصائر أحوالهم ، فإنه إذا راجع نفسه درى عظم نعم الله عليه فيما وفقه ، أو يسرّ أخذه به من العدول عن سلوك مناهجهم ، وأوجب على نفسه شكرين (الأول) لاهتدائه ، (والثّاني) لما زاده الله من الاستضاءة بنور الهدى وقربه من التقوى. ، ألا ترى قوله تعالى : حاكيا عن أهل الجنة وقد استقروا في منازلهم منها : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) [سورة الأعراف ، الآية : ٤٣] قوله تعالى : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٠] نصف