قد جبلوا على ما إليه سيقوا ، وخلقوا لما عليه أدبروا ، متوافقين في الانجذاب إلى مدى من حب الوطن والسّكن ، والصّبر على مراري الزّمن ، والاستظهار في تخليد الذّكر باتّخاذ المصانع المؤبّدة ، والمباني المشيّدة ، كالخورنق ، والحضر ، والأبق الفرد ، وغمدان ، والمشقر ، والهرمين ، ومنف ، وهو مسكن فرعون وتدمر والشّعراء ذكروها في ذلك قوله :
اشرب هنيئا عليك التّاج مرتفعا |
|
في رأس غمدان دار أمنك محلالا |
تلك المكارم لا قعبان من لبن |
|
شيبا بماء فما ذا بعد أبوالا |
وقول الآخر : شعرا :
ما ذا أؤمّل بعد آل محرّق |
|
تركوا منازلهم وبعد إياد |
أهل الخورنق والسّدير وبارق |
|
والقصر ذي الشّرفات من سنداد |
أرض تخيّرها الطّيب مقيلها |
|
كعب بن مامة وابن أمّ داود |
وقول الآخر شعرا :
وأخو الحضر إذ بناه وإذ |
|
دجلة نحيى إليه والخابور |
شاده مرمرا وجلّله كلسا |
|
فللطّير في ذراه وكور |
وقول النابغة :
وخيّس الجنّ إنّي قد أذنت لهم |
|
يبنون تدمر بالصّفائح والعمد |
وكإيوان كسرى أنوشيروان ، وهي من الأبنية القديمة والتّهالك في مناصب القرون الخالية ، والأرزاء بمناصبهم وطلب التقدّم عليهم فيما حمدوا فيه وإن كان كلّ منهم يذمّ زمانه ويحمد زمان غيره حتى روي قول لبيد شعرا :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم |
|
وبقيت في خلف كجلد الأجرب |
ومن قول عائشة رضياللهعنها فيه ما روي :
وسار متى قصروا عنه ذمّوا |
|
وإن ما هم استأنسوا فيه ملّوا |
لا جرم أنهم ابترموا مما اختبر لهم فيجمعوا أيديهم عليه مؤثرين لقبوله ، ومقتنعين بحصوله كمن اطّلع على ما أبدله في القسم فاغتنمه ، وأوذن بما أعدله عند السّوم فاختصبه ، فترى ذكر الزّمان في المكان في جميع ما يندرجون فيه شقيق أرواحهم ومشرع الرّوح لأفئدتهم ومستمد لذّاتهم ، ومشتكى أحزانهم ، به يكشف البلوى ويستنزل المطر ، فليسوا