بشيء من حظوظهم أقنع منهم باجتماع الوطن والمطر ، واستطلاع المستنجد من العين والأثر ، لذلك قال شاعرهم :
وكنت فيه كممطور ببلدته |
|
فسر إن جمع الأوطان والمطرا |
وقد قيل : ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم ، فلولا ما منّ الله تعالى به على طوائف الأمم وعصائب الزّمر من الألطاف في تحبيب ما حب وتأنيس من أنس ، والمنع من الاستيثار والاقتدار ، والاجتهاد بنهمة الاقتار ، لما رضيت المهج الكريمة بمجاورة البلاد والدّيار ، ولا سكنت القلاع ، في قلل الجبال والتّلاع ، ولا عمرت المهاري والأرانب في مساكن الأسود والضّباع ، ولا نبت حبال الألفة.
ونقطع نظام ما له فسبحان من جعل الاختلاف سببا للائتلاف ، وبدل التنافر فصيّره داعيا إلى التّوافق ، ولله الحمد على ما أمضى وقدر ، ونسأله التّوفيق فيما أتى وغبر ، وقل عن اشتمام الأبنية الرّفعة إلى غاية ما في نفوسهم ، بل يدّعون منه شياحين يلزمهم اسم التمام والفراغ ليس للكلام نهاية ، ولا لاختلافهم غاية ، لأنّ عددهم كثير ، والنّظر فيهم قديم وطبائعهم مختلفة ، وقواهم متفاوتة وألسنتهم مرسلة ، وخواطرهم مطلقة ، ولو كان الفاسد يشعر فساده ، والمنقوص يجد مسّ نقصه لكان الفاسد صالحا والنّاقص وافرا.
وروي عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من باع دارا أو عقارا ، فلم يجعل ثمنها في مثلها كان كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف».
وذكر أحمد بن أبي طاهر أنه سمع آذرباد المؤبد يقول : إنّه وجد في حكم الفرس تربة الصّبي تغرس في القلب حرمة كما تغرس الولادة في الكبد رقة ، ومما قيل في الوطن :
عجبت لعطار أتانا يسومنا |
|
بدسكرة القيوم دهن البنفسج |
فويحك يا عطار هلّا أتيتنا |
|
بضغث حزار أو بخوصة عرفج |
وقالوا : خلق الله آدم من تراب فهمته في التّراب ، وخلق حواء من ضلع من أضلاع آدم فهمتها في الرّجال ، ومما يعرف به موقع الوطن والزّمن من ذوي البصائر السليمة والعقائد الصّحيحة قول جرير :
سقى الله البشام وكلّ أرض |
|
من الغورين أنبتت البشاما |
فيا نعمى الزّمان به علينا |
|
ويا نعمى المقام به المقاما |
فجمعهما في قول ، وأنشدني أبو أحمد العسكري ، قال أنشد الصّولي :
سقى الله دار الغاضريّة منزلا |
|
ترفّ عليه الرّوض خضر الرّفارف |