وأيامنا والغاضريّون خضر |
|
وعيشي بهم يهتز لدن المعاطف |
ورأينا الله تعالى قسم مصالح خلقه ولذائذهم بين المقام والطّعن فجعل أكثر مجاري الأرزاق مع الحركة والاضطراب ، واغتنام الأرباب بعد التقادي في البلاد لذلك قال الشاعر :
فألقت عصاها واستقرّت بها النّوى |
|
كما قرّ عينا بالإياب المسافر |
وقال آخر :
سررت بجعفر والقرب منه |
|
كما سرّ المسافر بالإياب |
وقد شهد أصحاب المعاني لابن الرومي ، فقالوا : لم يبن أحد العلة في الحنين إلى الوطن إبانته حين قال :
وحبّب أوطان الرّجال إليهم |
|
مآرب قضّاها الشّباب هنالكا |
وقد قال الأسدي أيضا شعرا :
أحبّ بلاد الله ما بين منعج |
|
إليّ ورضوى أن نصوب سحابها |
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي |
|
وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها |
وأخذه ابن ميّادة فقال :
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي |
|
وقطّعن عنّي حين أدركني عقلي |
وقال بعض أصحاب المعاني : العلّة التي من أجلها تساوت الطّباع المختلفة في الحنين إلى الألّاف ، وحب ما مضى من الزّمان هي أنّ الذّوات فينا ومنا لما كانت لا تحصل إلّا في مكان وزمان صارت لتضمّنها لهما ولكونهما ناشئة حياتها وفاتحة شبيهتها ، وطالعة نمائها ، تشوقهما وتستنشئ على البعد أرواحهما حتى كأنّهما منها.
وفسّر بعضهم قول ابن الرومي ، فقال : يريد بالمآرب المقضيّة للشبّاب ما أقامه الصبيّ من روادف الهوى ، وقد ظفر بالمرتاد ، أو كان على استقبال من العمر وقوة من الركن ، واستعلام من الأمل ، واستخبار من الأجل ، وتماسك من الجوارح وتساعد من الأعضاء الحوامل ، ورخاء من البال وأمن من عوارض الآفات.
والذي شرحه هذا المفسر الزائد فيه على مذهبهم كالواصل إليه لاجتماعهما في غواشي العشق والصّبر تحت بيان الحب رجاء الفوز بالمراد ، وأظنّ جميعه في قول امرئ القيس:
وهل ينعمن إلا خليّ مخلّد |
|
قليل الهموم ما يبيت بأوجال |