(فَأَقامَهُ) الظاهر أنه لم يهدمه وبناه كما ذهب إليه بعضهم من أنه هدمه وقعد يبنيه. ووقع هذا في مصحف عبد الله وأيد بقوله (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) لأن بناءه بعد هدمه يستحق عليه أجرا. وقال ابن جبير : مسحه بيده وأقامه فقام. وقيل : أقامه بعمود عمده به. وقال مقاتل : سوّاه بالشيد أي لبسه به وهو الجيار. وعن ابن عباس : دفعه بيده فاستقام وهذا أليق بحال الأنبياء. قال الزمخشري : كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم وقد لزتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة فلم يجدا مواسيا ، فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رأى من الحرمان ومساس الحاجة أن (قالَ : لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) وطلبت على عملك جعلا حتى تنتعش به وتستدفع الضرورة انتهى. قال ابن عطية : وقوله (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) وإن لم يكن سؤالا ففي ضمنه الإنكار لفعله ، والقول بتصويب أخذ الأجر وفي ذلك تخطئة ترك الأجر انتهى. وقرأ عبد الله والحسن وقتادة وابن بحرية ولتخذت بتاء مفتوحة وخاء مكسورة ، يقال تخذ واتخذ نحو تبع واتبع ، افتعل من تخذ وأدغم التاء في التاء. قال الشاعر :
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها |
|
نسيفا كأفحوص القطاة المطرق |
والتاء أصل عند البصريين وليس من الأخذ ، وزعم بعضهم أن الاتخاذ افتعال من الأخذ وأنهم ظنوا التاء أصلية فقالوا في الثلاثي تخذ كما قالوا تقي من اتقى. والظاهر أن هذا إشارة إلى قوله (لَوْ شِئْتَ) أي هذا الإعراض سبب الفراق (بَيْنِي وَبَيْنِكَ) على حسب ما سبق من ميعاده. أنه قال (إِنْ سَأَلْتُكَ) وهذه الجملة وإن لم تكن سؤالا فإنها تتضمنه ، إذ المعنى ألم تكن تتخذ عليه أجرا لاحتياجنا إليه.
وقال الزمخشري : قد تصور فراق بينهما عند حلول ميعاده على ما قال موسى عليهالسلام (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي) فأشار إليه وجعله مبتدأ وأخبر عنه كما تقول : هذا أخوك فلا يكون هذا إشارة إلى غير الأخ انتهى. وفيما قاله نظر.
وقرأ ابن أبي عبلة (فِراقُ بَيْنِي) بالتنوين والجمهور على الإضافة. والبين قال ابن عطية : الصلاح الذي يكون بين المصطحبين ونحوهما ، وذلك مستعار فيه من الظرفية ومستعمل استعمال الأسماء ، وتكريره (بَيْنِي وَبَيْنِكَ) وعدوله عن بيننا لمعنى التأكيد. (سَأُنَبِّئُكَ) أي سأخبرك (بِتَأْوِيلِ) ما رأيت من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ، أي بما آل إليه الأمر فيما كان ظاهره أن لا يكون. وقرأ ابن وثاب سأنبيك بإخلاص الياء من