وقرأ الجمهور (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) على وزن فعل مجرد من الزيادة. وقرأت فرقة منهم الأعمش فغشاهم من اليم ما غشاهم بتضعيف العين فالفاعل في القراءة الأولى (ما) وفي الثانية الفاعل الله أي فغشاهم الله. قال الزمخشري : أو فرعون لأنه الذي ورط جنوده وتسبب لهلاكهم. وقال (ما غَشِيَهُمْ) من باب الاختصار ومن جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة ، أي (غَشِيَهُمْ) ما لا يعلم كنهه إلّا الله. وقال ابن عطية : (ما غَشِيَهُمْ) إبهام أهول من النص على قدر ما ، وهو كقوله (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) (١) والظاهر أن الضمير في (غَشِيَهُمْ) في الموضعين عائد على فرعون وقومه ، وقيل الأول على فرعون وقومه ، والثاني على موسى وقومه. وفي الكلام حذف على هذا القول تقديره فنجا موسى وقومه ، وغرّق فرعون وقومه. وقال الزجّاج : وقرىء وجنوده عطفا على فرعون.
(وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ) أي من أول مرة إلى هذه النهاية ويعني الضلال في الدين. وقيل : أضلهم في البحر لأنهم غرقوا فيه ، واحتج به القاضي على مذهبه فقال : لو كان الضلال من خلق الله لما جاز أن يقال : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ) بل وجب أن يقال : الله أضلهم لأن الله تعالى ذمه بذلك فكيف يكون خالقا للكفر لأن من ذم غيره بفعل شيء لا بد أن يكون المذموم فاعلا لذلك الفعل وإلّا استحق الذام الذم انتهى. وهو على طريقة الاعتزال (وَما هَدى) أي ما هداهم إلى الدين ، أو ما نجا من الغرق ، أو ما اهتدى في نفسه لأن (هَدى) قد يأتي بمعنى اهتدى.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) ذكرهم تعالى بأنواع نعمه وبدأ بإزالة ما كانوا فيه من الضرر من الإذلال والخراج والذبح وهي آكد أن تكون مقدمة على المنفعة الدنيوية لأن إزالة الضرر أعظم في النعمة من إيصال تلك المنفعة ، ثم أعقب ذلك بذكر المنفعة الدينية وهو قوله (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) إذ أنزل على نبيهم موسى كتابا فيه بيان دينهم وشرح شريعتهم ، ثم يذكر المنفعة الدنيوية وهو قوله (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) والظاهر أن الخطاب لمن نجا مع موسى بعد إغراق فرعون. وقيل : لمعاصري الرسول صلىاللهعليهوسلم اعتراضا في أثناء قصة موسى توبيخا لهم إذ لم يصبر سلفهم على أداء شكر نعم الله فهو على حذف مضاف ، أي أنجينا آباءكم من تعذيب آل فرعون. وخاطب الجميع
__________________
(١) سورة النجم : ٥٣ / ١٦.