و (كَمْ) هنا خبرية والخبرية لا تعلق العامل عنها ، وإنما تعلق عنه الاستفهامية. وقرأ ابن السميفع : يمشّون بالتشديد مبنيا للمفعول لأن المشي يخلق خطوة بخطوة وحركة بحركة وسكونا بسكون ، فناسب البناء للمفعول والضمير في (يَمْشُونَ) عائد على ما عاد عليه لهم وهم الكفار الموبخون يريد قريشا ، والعرب يتقلبون في بلاد عاد وثمود والطوائف التي كانت قريش تمر عليها إلى الشام وغيره ، ويعاينون آثار هلاكهم و (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) جملة في موضع الحال من ضمير (لَهُمْ) والعامل (يَهْدِ) أي ألم نبين للمشركين في حال مشيهم في مساكن من أهلك من الكفار. وقيل : حال من مفعول (أَهْلَكْنا) أي أهلكناهم غارين آمنين متصرّفين في مساكنهم لم يمنعهم عن التمتع والتصرف مانع من مرض ولا غيره ، فجاءهم الإهلاك بغتة على حين غفلة منهم به.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في ذلك التبيين بإهلاك القرون الماضية (لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) أي العقول السليمة. ثم بين تعالى الوجه الذي لأجله لا يترك العذاب معجلا على من كفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم والكلمة السابقة هي المعدة بتأخير جزائهم في الآخرة قال تعالى : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) (١) تقول : لو لا هذه العدة لكان مثل إهلاكنا عادا وثمودا لازما هؤلاء الكفرة ، واللزام إما مصدر لازم وصف به وإما فعال بمعنى مفعل أي ملزم كأنه آلة للزوم ، ولفظ لزومه كما قالوا لزاز خصم. وقال أبو عبد الله الرازي : لا شبهة أن الكلمة إخبار الله تعالى ملائكته وكتبه في اللوح المحفوظ أن أمة محمد صلىاللهعليهوسلم وإن كذبوا يؤخرون ولا يفعل بهم ما فعل بغيرهم من الاستئصال انتهى.
والأجل أجل حياتهم أو أجل إهلاكهم في الدنيا أو عذاب يوم القيامة ، أقوال : فعلى الأول يكون العذاب ما يلقى في قبره وما بعده. وعلى الثاني : قتلهم بالسيف يوم بدر. وعلى الثالث : هو عذاب جهنم. وفي صحيح البخاري «أن يوم بدر هو اللزام وهو البطشة الكبرى» والظاهر عطف (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) على كلمة وأخر المعطوف عن المعطوف عليه ، وفصل بينهما بجواب (لَوْ لا) لمراعاة الفواصل ورؤوس الآي ، وأجاز الزمخشري أن يكون (وَأَجَلٌ) معطوفا على الضمير المستكن في كان قال أي (لَكانَ) الأخذ العاجل (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) لازمين له كما كانا لازمين لعاد وثمود ، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل انتهى.
__________________
(١) سورة القمر : ٥٤ / ٤٦.