(وَما جَعَلْنا) الآية. قيل : إن بعض المسلمين قال : إن محمدا لن يموت وإنما هو مخلد ، فأنكر ذلك الرسول صلىاللهعليهوسلم فنزلت. وقيل : طعن كفار مكة عليه بأنه بشر يأكل الطعام ويموت فكيف يصح إرساله. وقال الزمخشري : كانوا يقدرون أنه سيموت فيشمتون بموته فنفى الله عنه الشماتة بهذا أي قضى الله أن لا يخلد في الدنيا بشرا فلا أنت ولا هم إلّا عرضة للموت فإن مت أيبقى هؤلاء؟ وفي معناه قول الإمام الشافعي رضياللهعنه :
تمنى رجال أن أموت وإن أمت |
|
فتلك سبيل لست فيها بأوحد |
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى |
|
تزود لأخرى مثلها فكأن قد |
وقول الآخر :
فقل للشامتين بنا أفيقوا |
|
سيلقى الشامتون كما لقينا |
والفاء في (أَفَإِنْ مِتَ) للعطف قدّمت عليها همزة الاستفهام لأن الاستفهام له صدر الكلام ، دخلت على إن الشرطية والجملة بعدها جواب للشرط ، وليست مصب الاستفهام فتكون الهمزة داخلة عليها ، واعترض الشرط بينهما فحذف جوابه هذا مذهب سيبويه. وزعم يونس أن تلك الجملة هي مصب الاستفهام والشرط معترض بينهما وجوابه محذوف. قال ابن عطية : وألف الاستفهام داخلة في المعنى على جواب الشرط انتهى. وفي هذه الآية دليل لمذهب سيبويه إذ لو كان على ما زعم يونس لكان التركيب (أَفَإِنْ مِتَ) هم (الْخالِدُونَ) بغير فاء ، وللمذهبين تقرير في علم النحو.
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) تقدم تفسير هذه الجملة (وَنَبْلُوكُمْ) نختبركم وقدم الشر لأن الابتلاء به أكثر ، ولأن العرب تقدم الأقل والأردأ ، ومنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات. وعن ابن عباس : الخير والشر هنا عام في الغنى والفقر ، والصحة والمرض ، والطاعة والمعصية ، والهدى والضلال. قال ابن عطية : هذان الأخيران ليسا داخلين في هذا لأن من هدى فليس هذه اختيارا ولا من أطاع. بل قد تبين خيره. والظاهر أن المراد من الخير والشر هنا كل ما صح أن يكون فتنة وابتلاء انتهى. وعن ابن عباس أيضا : بالشدة والرخاء أتصبرون على الشدة وتشكرون على الرخاء أم لا. وقال الضحاك : الفقر والمرض والغنى والصحة. وقال ابن زيد : المحبوب والمكروه ، وانتصب (فِتْنَةً) على أنه مفعول له أو مصدر في موضع الحال ، أو مصدر من معنى (نَبْلُوكُمْ وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) فنجازيكم على ما صدر منكم في حالة الابتلاء من الصبر