عذبكم بالخذلان وإن كان الخطاب للكفار فقال يقابل يرحمكم الله بالهداية إلى الإيمان ويعذبكم يميتكم على الكفر. وذكر أبو سليمان الدمشقي لما نزل القحط بالمشركين قالوا (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) (١) فقال الله (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) بالذي يؤمن من الذي لا يؤمن (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) فيكشف القحط عنكم (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) فيتركه عليكم. وقال ابن عطية : هذه الآية تقوي أن الآية التي قبلها هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة ، وذلك أن قوله (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) مخاطبة لكفار مكة بدليل قوله (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) فكأنه أمر المؤمنين أن لا يخاشنوا الكفار في الدين ثم قال إنه أعلم بهم ورجاهم وخوّفهم ، ومعنى (يَرْحَمْكُمْ) بالتوبة عليكم قاله ابن جريج وغيره انتهى. وتقدم من قول الزمخشري أن قوله (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) هي من قول المؤمنين للكفار وأنه تفسير لقوله (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
وقال ابن الأنباري : (أَوْ) دخلت هنا لسعة الأمرين عند الله ولا يرد عنهما ، فكانت ملحقة بأو المبيحة في قولهم جالس الحسن أو ابن سيرين يعنون قد وسعنا لك الأمر. وقال الكرماني : (أَوْ) للإضراب ولهذا كرر (إِنْ) ولما ذكر تعالى أنه أعلم بمن خاطبهم بقوله : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) انتقل من الخصوص إلى العموم فقال مخاطبا لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ليبين أن علمه غير مقصور عليكم بل علمه متعلق بجميع من في السموات والأرض ، بأحوالهم ومقاديرهم وما يستأهل كل واحد منهم ، و (بِمَنْ) متعلق بأعلم كما تعلق بكم قبله بأعلم ولا يدل تعلقه به على اختصاص أعلميته تعالى بما تعلق به كقولك : زيد أعلم بالنحو لا يدل هذا على أنه ليس أعلم بغير النحو من العلوم. وقال أبو عليّ : الباء تتعلق بفعل تقديره علم (بِمَنْ) قال لأنه لو علقها بأعلم لاقتضى أنه ليس بأعلم بغير ذلك وهذا لا يلزم ، وأيضا فإن علم لا يتعدى بالباء إنما يتعدّى لواحد بنفسه لا بواسطة حرف الجر أو لا يبين على ما تقرر في علم النحو. ولما كان الكفار قد استبعدوا تنبئة البشر إذ فيه تفضيل الأنبياء على غيرهم أخبر تعالى بتفضيل الأنبياء على بعض إشارة إلى أنه لا يستبعد تفضيل الأنبياء على غيرهم إذ وقع التفضيل في هذا الجنس المفضل على الناس والله تعالى أعلم بما خص كل واحد من المزايا فهو يفضل من شاء منهم على من شاء إذ هو الحكيم فلا يصدر شيء إلّا عن حكمته. وفيه إشارة إلى أنه لا يستنكر تفضيل محمد صلىاللهعليهوسلم على سائر الأنبياء وخص (داوُدَ) بالذكر هنا لأنه تعالى ذكر في
__________________
(١) سورة الدخان : ٤٤ / ١٢.