يخرج الدرّ ، فحلبتها حلبا قطع ذلك درّها. وأكثرت فى كتابك ، وأنبت ، وعرّضت وثربت ؛ وعلمت أن ذلك عن شىء تخفيه على غير خبر ؛ فجئت لعمرى بالمفظعات (١) المقذعات ؛ ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق. وقد عملنا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ولمن بعده ؛ فكنّا بحمد الله مؤدّين لأماناتنا ، حافظين لما عظّم الله من حقّ أئمّتنا ، نرى غير ذلك قبيحا ، والعمل به سيّئا ، فيعرف ذلك لنا ويصدّق فيه قيلنا. معاذ الله من تلك الطعم ، ومن شرّ الشيم ، والاجتراء على كل مأثم ؛ فاقبض عملك ؛ فإن الله قد نزهنى عن تلك الطعم الدنيّة والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستبق فيه عرضا ولم تكرم فيه أخا ، والله يا بن الخطّاب ؛ لأنا حين يراد ذلك منّي أشدّ لنفسى غضبا ، ولها إنزاها وإكراما. وما عملت من عمل أرى علىّ فيه متعلّقا ؛ ولكنى حفظت ما لم تحفظ ؛ ولو كنت من يهود يثرب ما زدت ـ يغفر الله لك ولنا ـ وسكتّ عن أشياء كنت بها عالما ؛ وكان اللسان بها منى ذلولا ؛ ولكن الله عظّم من حقّك ما لا يجهل. والسلام.
فكتب إليه عمر بن الخطاب كما وجدت فى كتاب أعطانيه يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن عبيد الله بن أبى جعفر ، عن أبى مرزوق التجيبى ، عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص : من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص ؛ سلام عليك ، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ؛ أما بعد ، فقد عجبت من كثرة كتبى إليك فى إبطائك بالخراج وكتابك إلىّ ببنيّات الطرق (٢) ، وقد علمت أنى لست أرضى (٣) منك إلا بالحقّ البيّن ؛ ولم (٤) أقدمك إلى مصر أجعلها لك طعمة ولا لقومك ؛ ولكنى وجّهتك لما رجوت من توفيرك الخراج ، وحسن سياستك ؛ فإذا أتاك كتابى هذا فاحمل الخراج ، فإنما هو فئ المسلمين ، وعندى من قد تعلم قوم محصورون. والسلام.
فكتب إليه عمرو بن العاص : بسم الله الرحمن الرحيم. لعمر بن الخطاب من عمرو بن العاص ، سلام عليك ، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ؛ أما بعد ، فقد أتانى كتاب أمير المؤمنين يستبطئنى فى الخراج ، ويزعم (٥) أنى أعند عن الحقّ ،
__________________
(١) ب ، ج : «بالمقطعات». د ، ك : «بالمفضعات».
(٢) ب ، ج : «الطريق».
(٣) ج : «أرى».
(٤) ب ، ج : «ولن».
(٥) ب : «وتزعم». ج : «وزعم».