فظهر ، فجاء بقول قد بهر ، وأوضح نهجا قد دثر ، فيه مواعظ لمن اعتبر ، ومعاذ لمن ازدجر ، ألف بالآى الكبر.
فقلت : ومن هذا المبعوث من مضر؟ قالوا : أحمد خير البشر ، فإن آمنت أعطيت الشبر ، وإن خالفت أصليت سقر. فآمنت يا خنافر ، وأقبلت إليك أبادر ، فجانب كل نجس كافر ، وشايع كل مؤمن طاهر ، وإلا فهو الفراق عن لا تلاق.
قلت : من أين أبغى هذا الدين؟ قال : من ذات الإحرين والنفر الميامين أهل الماء والطين. قلت : أوضح. قال : الحق بيثرب ذات النخل ، والحرة ذات النعل ، فهنالك أهل الفضل والطول والمواساة والبذل.
ثم أملس عنى فبت مذعورا أراعى الصباح ، فلما برق لى النور امتطيت راحلتى وآذنت أعبدى واحتملت بأهلى ، حتى وردت الجوف فرددت الإبل على أربابها بحولها وسقايها ، وأقبلت أريد صنعاء ، فأصبت فيها معاذ بن جبل أميرا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فبايعته على الإسلام ، وعلمنى من القرآن. فمن الله على بالهدى بعد الضلالة ، والعلم بعد الجهالة ، وقلت فى ذلك :
ألم تر أن الله عاد بفضله |
|
فأنقذ من لفح الزخيخ خنافرا |
وكشف لى عن حجمتى عماهما |
|
وأوضح لى نهجى وقد كان داثرا |
دعانى شصار للتى لو رفضتها |
|
لصليت جمرا من لظى الهوب واهرا |
فأصبحت والإسلام حشو جوانحى |
|
وجانبت من أمسى عن الحق نائرا |
وكان مضلى من هديت برشده |
|
فلله مغو عاد بالرشد آمرا |
نجوت بحمد الله من كل قحمة |
|
تؤرث هلكا يوم شايعت شاصرا |
فقد أمنتنى بعد ذاك يحابر |
|
بما كنت أغشى المنديات يحابرا |
فمن مبلغ فتيان قومى ألوكة |
|
بأنى من أقتال من كان كافرا |
عليكم سواء القصد لا فل حذكم |
|
فقد أصبح الإسلام للكفر قاهرا |
وذكر ابن هشام أن بعض أهل العلم حدثه ، أنه كان لمرداس أبى عباس بن مرداس السلمى وثن يعبده ، وهو حجر يقال له : ضمار ، فلما حضر مرداسا الموت قال لعباس : أى بنى اعبد ضمار ، فإنه ينفعك ويضرك. فبينما العباس يوما عند ضمار ، إذ سمع من جوف ضمار مناديا يقول :
قل للقبائل من سليم كلها |
|
أودى ضمار وعاش أهل المسجد |