ومضيت إلى اليمن فلم أنشب أن جاءنى هناك استهلاله ، وأقبلت حتى قدمت الطائف فنزلنا على أمية بن أبى الصلت. قلت : قد كان من هذا الرجل ما قد بلغك وسمعت. قال : قد كان. قلت : فأين أنت؟ قال : ما كنت لأؤمن برسول ليس من ثقيف! قال أبو سفيان : فأقبلت إلى مكة وو الله ما أنا منه ببعيد حتى جئت فوجدته هو وأصحابه يضربون ويقهرون ، فجعلت أقول : فأين جنده من الملائكة؟! ودخلنى ما دخل الناس من النفاسة.
ووقع فى هذا الحديث من قول أبى سفيان : أن عتبة بن ربيعة ذو مال ، ووقع بعد ذلك من قول أبى سفيان أيضا أنه محوج ، ولا يصح أن يجتمع الأمران ، وأحدهما غلط من الناقل ، والله أعلم.
والمشهور من حال عتبة أنه كان فقيرا وكان يقال : لم يسد من قريش مملق إلا عتبة وأبو طالب ، فإنهما سادا بغير مال. وأما أمية بن أبى الصلت فرجل من ثقيف ، لم يرض دين أهل الجاهلية ، ولا وفقه الله للدخول فى السمحة الحنيفية.
فكان كما روى عن عروة بن الزبير قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أمية بن أبى الصلت فقال : «أوتى علما فضيعه». وكما روى عن الحسن وقتادة أنهما قالا فى قول الله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) [الأعراف : ١٧٥] أنه أمية بن أبى الصلت.
ولغيرهما من العلماء فى المعنى بهذه الآية قول أشهر من هذا ، وهو أن المراد بها بلعام بن باعوراء ، فالله تعالى أعلم.
قال ابن إسحاق (١) : واجتمعت قريش يوما فى عيد لهم عند صنم من أصنامهم ، كانوا يعظمونه ، وينحرون له ، ويعكفون عنده ، فخلص منهم أربعة نفر نجيا (٢) ، ثم قال بعضهم لبعض : تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض.
قالوا : أجل. وهم : ورقة بن نوفل ، وعبيد الله بن جحش ، وعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، فقال بعضهم لبعض : تعلموا والله ما قومكم على شيء ، لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ، ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ، ولا يضر ولا ينفع!!. يا قوم : التمسوا لأنفسكم فإنكم والله ما أنتم على شيء.
__________________
(١) انظر : السيرة (١ / ١٩١ ـ ١٩٢).
(٢) نجى : النجى جماعة يتحدثون سرا يخفون حديثهم عن غيرهم ، وهو لفظ يستوى فيه الواحد والاثنان والجماعة.