فتفرقوا فى البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم.
فأما ورقة بن نوفل فاستحكم فى النصرانية ، واتبع الكتب من أهلها. وذكر الزبير بن أبى بكر بإسناد له إلى عروة بن الزبير قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ورقة بن نوفل. فقال : «لقد رأيته فى المنام عليه ثياب بيض ، فقد أظن أن لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض». وكان يذكر الله فى شعره فى الجاهلية ، ويسبحه وهو الذي يقول :
لقد نصحت لأقوام وقلت لهم |
|
أنا النذير فلا يغرركم أحد |
لا تعبدن إلها غير خالقكم |
|
فإن دعوكم فقولوا بيننا حدد |
سبحان ذى العرش سبحانا يدوم له |
|
رب البرية فرد واحد صمد |
سبحان ذى العرش سبحانا نعود له |
|
وقبل سبحه الجودى والجمد |
مسخر كل ما تحت السماء له |
|
لا ينبغى أن ينادى ملكه أحد |
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته |
|
يبقى الإله ويودى المال والولد |
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه |
|
والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا |
ولا سليمان إذ تجرى الرياح له |
|
والإنس والجن فيما بينها برد |
أين الملوك التي كانت لعزتها |
|
من كل أوب إليها وافد يفد |
حوض هنالك مورود بلا كذب |
|
لا بد من ورده يوما كما وردوا |
وفى هذا الشعر ألفاظ عن غير الزبير ، والبيت الأخير كذلك ، وفيه أبيات تروى لأمية بن أبى الصلت.
قال ابن إسحاق (١) : وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ، ثم هاجر مع المسلمين إلى أرض الحبشة ، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان مسلمة ، فلما قدماها تنصر وفارق الإسلام حتى هلك هنالك نصرانيا ، وخلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعده على امرأته أم حبيبة ، وكان حين تنصر يمر بأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقول : فقحنا وصأصأتم. أى أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد.
وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم فتنصر وحسنت منزلته عنده.
وذكر الزبير : أن قيصر ملكه على أهل مكة ، وكتب له إليهم كتابا. فأنفت قريش أن يدينوا لأحد ، وصاح فيه ابن عمه أبو زمعة الأسود بن المطلب بن أسد والناس فى الطواف : إن قريشا لقاح لا تملك ولا تملك فمضت قريش على كلامه ، ومنعوا عثمان
__________________
(١) انظر : السيرة (١ / ١٩٢).