الإسلام ، وقال قصيدة يمدحه فيها ، نذكرها بعد. فلما كان بمكة أو قريبا منها اعترضاه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره ، فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليسلم. فقال له : يا أبا بصير ، إنه يحرم الزنا. فقال الأعشى : والله إن ذلك لأمر ما لى فيه من أرب. فقال : يا أبا بصير ، فإنه يحرم الخمر (١). فقال : أما هذه فو الله إن فى النفس منها لعلالات ، ولكنى منصرف فأتروى منها عامى هذا ثم آتيه فأسلم.
فانصرف فمات فى عامه ذلك ولم يعد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، هذا ما ذكر ابن هشام فى قصة الأعشى ، وظاهره يقتضى أن قصده كان إلى مكة وأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها حينئذ لم يهاجر بعد.
ويعارض هذا الظاهر ما ذكر من تحريم الخمر ، فإن أهل النقل مجمعون على أن الخمر إنما حرمت بالمدينة بعد أن مضى بدر وأحد ونزل تحريمها فى سورة المائدة وهى من آخر ما نزل من القرآن فإن صح أن خروج الأعشى كان قبل الهجرة كما فى ظاهر الخبر فلعل المشرك الذي لقيه وأخبره عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتحريم الخمر ، أراد بهذا القول تنفيره عن الإسلام وإبعاده عنه ، مع ما كان من كراهية رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبدا للخمر وتنزيه الله إياه عنها.
ألا تراه ليلة الإسراء لما عرضت عليه آنية الخمر واللبن اختار اللبن فقيل له : هديت للفطرة ، لو أخذت الخمر غوت أمتك. والإسراء إنما كان بمكة فى صدر الإسلام. وقد يمكن أن يكون قصد الأعشى إلى المدينة بعد الهجرة وبعد تحريم الخمر فتلقاه بعض المشركين من قريش ممن لم يكن أسلم بعد.
ولعل هذا هو الأولى بدليل قوله فى قصيدته الآتية بعد :
ألا أيهذا السائلى أين يممت |
|
فإن لها فى أهل يثرب موعدا |
والله أعلم بالحقيقة فى ذلك كله ، والقصيدة التي مدح بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم هى قوله :
__________________
(١) قال السهيلى فى الروض الأنف (٢ / ١٣٦) : هذه غفلة من ابن هشام ، ومن قال بقوله : فإن الناس مجمعون على أن الخمر لم ينزل تحريمها إلا بالمدينة بعد أن مضيت بدر وأحد ، وحرمت فى سورة المائدة وهى من أخر ما نزل ، وفى الصحيحين من ذلك قصة حمزة حين شربها ، وغتنه القينتان : ألا يا حمز للشرف النواء ، فبقر خواصر الشارفين ، واجتنب أسمنتها ، وقوله للنبى صلىاللهعليهوسلم : هل أنتم إلا عبيد لآبائى ، وهو ثمل ، ... الحديث ، فإن صح خبر الأعشى وما ذكر له فى الخمر ، فلم يكن هذا بمكة ، وإنما كان بالمدينة ، ويكون القائل له : أما علمت أنه يحرم الخمر من المنافقين أو من اليهود ، فالله أعلم.