فحدث (١) عثمان بن أبى العاص قال : كان من آخر ما عهد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين بعثنى على ثقيف أن قال : «يا عثمان تجاوز فى صلاتك واقدر الناس بأضعفهم فإن فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة» (٢).
فلما فرغوا من أمرهم وتوجهوا راجعين إلى بلادهم بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فى هدم الطاغية فخرجا مع القوم حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة أن يقدم أبا سفيان ، فأبى ذلك عليه أبو سفيان وقال : ادخل أنت على قومك. وأقام أبو سفيان بماله بذى الهدم ، فلما دخل علاها يضربها بالمعول وقام دونه بنو معتب خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة ، وخرج نساء ثقيف حسرا (٣) يبكين عليها ويقلن :
لتبكين دفاع |
|
أسلمها الرضاع (٤) |
لم يحسنوا المصاع |
فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبى سفيان وحليها مجموع ومالها من الذهب والجزع.
وقد كان أبو مليح بن عروة وقارب بن الأسود قدما على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل وفد ثقيف حين قتل عروة يريدان فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شيء أبدا. فأسلما فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم : توليا من شئتما. فقالا : نتولى الله ورسوله فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :«وخالكما أبا سفيان بن حرب». فقالا : وخالنا أبا سفيان ، فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا سفيان والمغيرة إلى هدم الطاغية سأل أبو مليح رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقضى عن أبيه عروة دينا كأن عليه من مال الطاغية. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نعم». فقال له قارب بن الأسود : وعن الأسود يا رسول الله فاقضه ، وعروة والأسود أخوان لأب وأم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الأسود مات مشركا». فقال قارب : يا رسول الله ، لكن تصل مسلما ذا قرابة ، يعنى نفسه ، إنما الدين على وإنما أنا الذي أطلب به. فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا سفيان أن يقضى دين عروة والأسود من مال الطاغية ، فلما جمع
__________________
(١) انظر : السيرة (٤ / ١٦٧).
(٢) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٤ / ٢١) ، صحيح مسلم (١ / ١٨٧ / ٣٤٢).
(٣) حسرا : بضم الحاء وتشديد السين مفتوحة ، جمع حاسرة ، وهى المكشوفة الوجه.
(٤) دفاع : هى صيغة مبالغة من الدفع ، وإنما سموا طاغيتهم دفاعا لأنهم كانوا يعتقدون أن الأصنام تدفع عنهم البلاء والمحن. الرضاع : جمع راضع وأريد بهم اللئام.