الوجه الثالث : أنّ ظاهر نسبة الفعل إلى أحد صدوره منه قاصدا اختيارا من غير جبر ولا إكراه ، فقوله : يجتمع على فرض التسليم أي باختيارهم ورضاهم ، وغير خفيّ أنّ اجتماع الناس على ملوك بني امية كان للقهر والغلبة والخوف منهم ، وأخذهم البيعة على الناس بسيفهم ، كما هو مشروح في السير والتواريخ ، وهل يمكن أن ينسب أحد إلى أهل مكة والمدينة وفيهم وجوه الفقهاء والمحدّثين وبقيّة الصحابة والمشايخ من أولاد المهاجرين والأنصار أنهم باختيارهم اجتمعوا على يزيد بن معاوية واختاروه لخلافة الامّة ، وهل هو إلّا لما رأوا من قهره وغلبته وتجرّيه على سفك الدماء ، فحفظوا أنفسهم ولم يلقوها إلى التهلكة فبايعه من بايع وتخلّف من تخلّف؟
الوجه الرابع : كيف جوّزوا الخلافة المنعوتة على لسان النبي صلىاللهعليهوآله في جمع من بني امية وقد رووا فيهم من الذموم ما رووا؟ ففي كشف الأستار عن الإمام الثعلبي في قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (١) قال : رأى بني امية على المنابر فساءه ذلك.
فقيل له : إنّها الدنيا يعطونها فنزل عليه صلىاللهعليهوآله : (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قال : بلاء للناس(٢).
وفيه عن سهل بن سعد عن أبيه قال : رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله بني امية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ، فما استجمع ضاحكا حتّى مات فأنزل الله عزوجل في ذلك (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (٣).
وفيه عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى : (الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) (٤) قال : هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو امية ، فأمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ، وأمّا بنو امية فتمتعوا إلى حين (٥).
وعن الثعلبي في قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (٦) نزلت في امية وبني هاشم. انتهى (٧).
أترى النبي صلىاللهعليهوآله يراهم كالقردة ، ويرى أنّ الله تعالى كنّى عنهم بالشجرة الملعونة ثمّ يقول
__________________
(١) الإسراء : ٦٠.
(٢) كنز العمّال : ١٤ / ٨٧ ح ٣٨٠١٤.
(٣) المستدرك للحاكم : ٤ / ٤٨٠.
(٤) إبراهيم : ٢٨ ـ ٢٩.
(٥) كنز العمّال : ٢ / ٤٤٤ ح ٤٤٥٢.
(٦) محمد : ٢٢.
(٧) الكافي : ٨ / ١٠٣ ح ٧٦.