وفي حديث أبي هريرة : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا كان مال الله دولا وعباده خولا. ونشأ للحكم بن العاص أحد وعشرون ابنا وولد لمروان بن الحكم تسعة بنين. انتهى (١).
ومع ذلك كلّه كيف رضي هؤلاء الأعلام أن يجعلوا الذين لعنهم رسول الله وعدّهم من الجبابرة من خلفاء الاثني عشر الذين يعملون بالهدى ودين الحق ، وكان الإسلام في عهدهم عزيزا منيعا مع ما وقع في عهدهم من سفك الدماء المحرّمة وهتك الفروج المحرّمة حتّى المحارم ، وحلّ الأموال المعتصمة ما لا يحصى ، والتجاهر بشرب الخمور واللعب بالقمار وغيرها بما لم يقع في عصر ، فكان الإسلام بهم ذليلا مهانا (٢).
الوجه السادس : أنّ هؤلاء الأجلّة كيف استحسنوا أن يكون يزيد بن معاوية من الخلفاء الاثني عشر العاملين بالحقّ مع ما كان عليه من الفساد ، وما صدر منه ممّا بكت وتبكي منه السبع الشداد : من وقعة الطف (٣) ومن وقعة الحرّة (٤) وهتك بيت الحرام (٥) ، وقد ألف فيها بالانفراد كتب ورسائل سوى ما في التواريخ والسير.
في كشف الأستار عن صالح بن أحمد بن حنبل قال : قلت لأبي : إنّ قوما ينسبونني إلى تولي يزيد. فقال : يا بني هل يتولّى يزيد أحد يؤمن بالله؟ فقلت : فلم لا تلعنه؟ فقال : ومتى رأيتني ألعن شيئا؟ ولم لا تلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه ، فقرأ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (٦) فهل يكون فساد أعظم من القتل (٧)؟
وعن ابن حنظلة غسيل الملائكة الذي بايعه أهل المدينة قال : والله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنّ رجلا ينكح الامّهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسنا. وعن الزهري أنّه قال : كان القتلى يوم الحرّة سبعمائة من وجوه الناس من قريش والأنصار
__________________
(١) مجمع الزوائد : ٥ / ٢٤٣.
(٢) راجع ما فصّله المقريزي في كتابه : النزاع والتخاصم.
(٣) أعلام الورى : ٢ / ٢٠٥.
(٤) شرح النهج لابن أبي الحديد : ٢ / ١٨ ، وينابيع المودّة : ٣ / ٣٣.
(٥) مجمع الزوائد : ٣ / ٢٩٠.
(٦) سورة محمّد صلىاللهعليهوآله : ٢٣٠.
(٧) ذكره وذكر أدلّته ، ومن جوّز لعن يزيد ابن الجوزي في كتابه : الردّ على المتعصّب العنيد.