صخرة ثمّ انصرفت عنه ، فجعل الله عزوجل رزقه في إبهامه فجعل يمصّها ويشرب لبنا ، وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة ، فجعل يكبر في الغار ويشبّ حتّى قام بأمر الله تعالى. وقد غاب غيبة اخرى سار فيها في البلاد بعد نجاته من النار. ونقل أنّه كانت له غيبة اخرى حين هاجر إلى الشام.
وكذا ورد أنّ لموسى غيبة اخرى في التيه. وغيبة يونس بن متى حين التقطه الحوت. وكذا غاب سليمان حين أخذ الماء خاتمه. ونقل بعض أهل التواريخ أنّ مريم هربت بعيسى عن اليهود إلى مصر اثنتي عشرة سنة. (١).
وفي نهج المحجّة روي عن الصادق عليهالسلام : غيبة إلياس في الجبل عن الملك أجب سبع سنين إلى أن رفعه الله إليه واستخلف اليسع على بني إسرائيل (٢).
الرابع : غيبة يوسف عليهالسلام فإنّها كانت عشرين سنة ، وكان هو بمصر ويعقوب عليهالسلام بفلسطين وبينهما مسيرة تسعة أيّام فاختلفت الأحوال عليه في غيبته حتّى إنّه روي عن الصادق عليهالسلام أنّه قدم أعرابي على يوسف يشتري منه طعاما فباعه فلمّا فرغ قال له يوسف : أين منزلك؟
قال : بموضع كذا. فقال له : إذا مررت بوادي كذا وكذا فقف فناد : يا يعقوب يا يعقوب ، فإنّه سيخرج إليك رجل عظيم جميل جسيم وسيم فقل له : رأيت رجلا بمصر وهو يقرئك السلام ويقول لك : إنّ وديعتك عند الله عزوجل لن تضيع. قال : فمضى الأعرابي حتّى انتهى إلى الموضع فقال لغلمانه : احفظوا عليّ الإبل ثمّ نادى : يا يعقوب يا يعقوب ، فخرج إليه رجل أعمى طويل جميل يتّقي الحائط بيده حتّى أقبل فقال الرجل : أنت يعقوب؟ فقال : نعم ، فأبلغه ما قال يوسف ، فسقط مغشيا عليه ثمّ أفاق فقال : يا أعرابي ألك حاجة إلى الله تعالى عزوجل؟ فقال : نعم ، إنّي رجل كثير المال ولي بنت عمّ وليس لي ولد منها فاحبّ أن تدعوا الله عزوجل يرزقني ولدا ، فتوضّأ يعقوب وصلّى ركعتين ثمّ دعا الله عزوجل فرزقه الله أربعة أبطن أو قال : ستّة أبطن في كلّ بطن ابنان. وكان يعقوب يعلم أنّ يوسف حيّ لا يموت وأنّ الله تعالى ذكره سيظهره له بعد غيبته.
والدليل عليه : أنّه لمّا رجع إليه بنوه يبكون قال لهم : يا بني ما لكم تبكون وتدعون بالويل
__________________
(١) كمال الدين : ١٣٧.
(٢) غيبة إلياس راجع منار الهدى : ٦٣٢.