وكلاء لأرباب هذه الأموال وهي لجماعة أمرونا أن لا نسلّمها إلّا بعلامة ودلالة ، وقد جرت بهذا العادة مع أبي محمد الحسن بن علي عليهالسلام ، فقال الخليفة : وما الدلالة التي كانت لأبي محمّد عليهالسلام؟ قال القوم : كان يصف الدنانير وأصحابها والأموال وكم هي ، فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه ، وقد وفدنا عليه مرارا فكانت هذه علامتنا منه ودلالتنا ، وقد مات فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيم لنا أخوه وإلّا رددناها إلى أصحابها. فقال جعفر : يا أمير المؤمنين إنّ هؤلاء قوم كذّابون ، يكذبون على أخي وهذا علم الغيب ، فقال الخليفة : القوم رسل وما على الرسول إلّا البلاغ المبين. قال : فبهت جعفر ولم يحر جوابا.
فقال القوم : يتطوّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبذرقنا (١) حتّى نخرج من هذه البلدة. قال : فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها ، فلمّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن الناس وجها كأنّه خادم فنادى : يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان أجيبوا مولاكم. قال : فقالوا له : أنت مولانا؟ قال : معاذ الله أنا عبد مولاكم فسيروا إليه ، قالوا : فسرنا معه حتّى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي فإذا ولده القائم قاعد على سرير كأنّه فلقة القمر ، عليه ثياب خضر فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام ثمّ قال : جملة المال كذا وكذا دينارا ، حمل فلان كذا وفلان كذا ، ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع ثمّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدواب ، فخررنا سجّدا لله عزوجل شكرا لما عرفنا ، وقبّلنا الأرض بين يديه ، ثمّ سألناه عمّا أردنا وأجاب ، فحملنا إليه الأموال ، وأمرنا القائم أن لا نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئا فإنّه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات.
قال : فانصرفنا من عنده ودفع إلى أبي جعفر محمد بن جعفر القمي الحميري شيئا من الحنوط والكفن وقال له : أعظم الله أجرك في نفسك. قال : فما بلغ أبو العبّاس عقبة همدان حتّى توفي رحمهالله ، وكنّا بعد ذلك نحمل الأموال إلى بغداد ، إلى الأبواب المنصوبين ويخرج من عنده التوقيعات (٢).
قال الصدوق : هذا الخبر يدلّ على أنّ الخليفة كان يعرف هذا الأمر ، كيف هو وأين موضعه فلهذا كفّ عن القوم وعمّا معهم من الأموال ، ودفع جعفر الكذّاب عنهم ولم يأمرهم
__________________
(١) من البذرقة. وهي الجماعة التي تتقدم القافلة وتكون معها تحرسها. (مجمع : ٥ / ١٣).
(٢) كمال الدين : ٤٧٩ ح ٢٦ باب ٤٣ ، والبحار : ٥٢ / ٤٨ ح ٣٤.