بتسليمها إليه ، إلّا أنّه كان يحبّ أن يخفى هذا الأمر ولا يظهر لئلّا يهتدي إليه الناس فيعرفونه ، وقد كان جعفر حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لمّا توفي الحسن بن علي عليهالسلام فقال له : يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي ومنزلته؟ فقال الخليفة : اعلم أنّ منزلة أخيك لم تكن بنا إنّما كانت بالله عزوجل ، نحن كنّا نجتهد في حطّ منزلته والوضع منه ، وكان الله عزوجل يأبى إلّا أن يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة ، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا ، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما في أخيك لم نغن عنك في ذلك شيئا (١).
الثاني : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في تبصرة الولي عن أبي علي محمد بن أحمد المحمودي قال : حججت نيفا وعشرين سنة ، كنت جميعها أتعلّق بأستار الكعبة وأقف على الحطيم والحجر الأسود ومقام إبراهيم ، وأديم الدعاء في هذه المواضع ، وأقف بالموقف وأجعل جلّ دعائي أن يريني مولاي صاحب الزمان ، فإنني في بعض السنين قد وقفت بمكّة على أن أبتاع حاجة ومعي غلام في يده مشربة [حليج ملمعة] (٢) فدفعت إلى الغلام الثمن وأخذت المشربة من يده ، وتشاغل الغلام بمماكسة البيع وأنا واقف أترقّب ؛ إذ جذب ردائي جاذب ، فحوّلت وجهي إليه فرأيت رجلا ذعرت حين نظرت إليه هيبة له فقال لي : تبيع المشربة ، فلم أستطع ردّ الجواب وغاب عن عيني ، فلم يلحقه بصري وظننته مولاي ، فإنّني في يوم من الأيّام كنت اصلّي بباب الصفا ، فسجدت وجعلت مرفقي في صدري فحرّكني تحرّكا برجله فرفعت رأسي فقال : افتح منكبك عن صدرك ، ففتحت عيني فإذا الرجل الذي سألني عن المشربة ولحقني من هيبته ما حار بصري ، فغاب عن عيني وأقمت على رجائي ويقيني ومضيت مدّة وأنا أرجح واديم الدعاء في الموقف ، فإنّني في آخر سنة جالس في الكعبة ومعي يمان بن الفتح بن دينار ومحمد بن القاسم العلوي وعلان الكناني ونحن نتحدّث إذا أنا بالرجل في الطواف وأشربت بالنظر إليه وقمت أسعى لأتبعه ، فطاف حتّى إذا بلغ الحجر رأى سائلا واقفا على الحجر ، ويستحلف ويسأل الناس بالله جلّ وعزّ أن يصدّق عليه ، فإذا بالرجل قد طلع ، فلمّا نظر السائل انكبّ إلى الأرض فأخذ منها شيئا ودفع
__________________
(١) كمال الدين : ٤٧٩ ذيل ح ٢٦ باب ٤٣.
(٢) زيادة من دلائل الإمامة وفيه : المشربة إناء يشرب فيه ، والحليج اللبن الذي ينقع فيه التمر ثمّ يماث.