وأغزر دمعته ، أفتعرف علي بن إبراهيم المهزيار؟ فقلت : أنا علي بن إبراهيم المهزيار. فقال:حيّاك الله أبا الحسن ، ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين أبي محمد الحسن بن علي عليهالسلام؟ فقلت : معي. قال : أخرجها ، فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها ، فلمّا أن رآها لم يتمالك أن غرقت عيناه وبكى منتحبا حتّى بلّ أطماره ثمّ قال : اذن لك الآن يا ابن المهزيار ، صر إلى رحلك وكن على أهبة من أمرك حتّى إذا لبس الليل جلبابه وغمر الناس ظلامه صر إلى شعب بني عامر فإنّك ستلقاني هناك ، فصرت إلى منزلي فلمّا أحسست بالوقت أصلحت رحلي وقدمت راحلتي وعكمتها شديدا ، وحملت وصرت في متنه ، وأقبلت مجدّا في السير حتّى وردت الشعب فإذا أنا بالفتى قائم ينادي : إليّ يا أبا الحسن إليّ ، فما زلت نحوه فلمّا قربت بدأني بالسلام وقال لي : سر بنا يا أخي فما زال يحدّثني وأحدّثه حتّى تخرقنا جبال عرفات وسرنا إلى جبال منى ، وانفجر الفجر الأوّل ونحن قد توسّطنا جبال الطائف فلمّا أن كان هناك أمرني بالنزول وقال لي : انزل فصلّ صلاة الليل ، فصلّيت وأمرني بالوتر فأوترت وكانت فائدة منه.
ثمّ أمرني بالسجود والتعقيب ثمّ فرغ من صلاته وركب وأمرني بالركوب ، وسار وسرت معه حتّى علا ذروة الطائف فقال : هل ترى شيئا؟ قلت : نعم أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقّد البيت نورا ، فلمّا أن رأيته طابت نفسي فقال لي : هناك الأمل والرجاء ، ثمّ قال : سر بنا يا أخ ، فسار وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذروة وسار في أسفله فقال : انزل فهاهنا يذلّ كل صعب ويخضع كلّ جبّار ، ثمّ قال : خلّ عن زمام الناقة. قلت : فعلى من أخلفها. فقال : حرم القائم لا يدخله إلّا مؤمن ولا يخرج منه إلّا مؤمن ، فخليت عن زمام راحلتي وسار وسرت معه إلى أن دنا من باب الخباء ، فسبقني بالدخول وأمرني أن أقف حتّى يخرج إلي ، ثمّ قال لي : ادخل هناك السلامة ، فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتشح ببردة واتّزر باخرى وقد كسر بردته على عاتقه وهو كأقحوانة ارجوانة (١) قد تكاثف عليها الندى وأصابها ألم الهواء (٢) ، وإذا هو كغصن بان أو قضيب ريحان سمحي سخي تقي نقي ، ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللاصق ، بل مربوع القامة ، مدوّر الهامة ، صلت الجبين ، أزجّ الحاجبين ، أقنى الأنف
__________________
(١) أقحوان بابونج ، أرجوانة الأحمر.
(٢) إصابة الندى تشبيه لما أصابه من العرق ، وأصابه ألم الهواء لانكسار لون الحمرة وعدم اشتدادها.