فأتوني برأسه ، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدناها دارا سرية كأن الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت ، فرفعنا الستر وإذا سرداب في الدار الاخرى فدخلناها وكأن بحرا فيها ، وفي أقصاه حصير ، وقد علمنا أنّه على الماء وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلّي فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا ، فسبق أحمد بن عبد الله ليخطي فغرق في الماء ، وما زال يضطرب حتّى مددت يدي إليه فجلست فخلّصته وأخرجته فغشي عليه وبقي ساعة ، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك فناله مثل ذلك ، فبقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت : المعذرة إلى الله وإليك ، فو الله ما علمت كيف الخبر وإلى من نجيء ، وأنا تائب إلى الله ، فما التفت إلي بشيء ممّا قلت فانصرفنا إلى المعتضد فقال : اكتموه وإلّا ضربت رقابكم (١).
السابع : ممّن رآه في غيبته الصغرى : في البحار عن يعقوب بن يوسف الضراب الغساني في منصرفه من أصفهان قال : حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين ، وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا فلمّا قدمنا مكّة تقدّم بعضهم فاكترى لنا دارا في زقاق بين سوق الليل ، وهي دار خديجة تسمّى دار الرضا ، وفيها عجوز سمراء فسألتها ـ لما وقفت على أنّها دار الرضا ـ ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟ ولم سمّيت دار الرضا؟ فقالت : أنا من مواليهم وهذه دار الرضا علي بن موسى عليهالسلام ، أسكننيها الحسن بن علي عليهالسلام فإنّي كنت من خدمه.
فلمّا سمعت ذلك منها أنست بها وأسررت الأمر عن رفقائي المنافقين المخالفين ، فكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام معهم في رواق الدار ، وتغلق الباب ونلقي خلف الباب حجرا كبيرا كنّا نديره خلف الباب ، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنّا فيه شبيها بضوء المشعل ، ورأيت الباب قد انفتح ولا أرى أحدا فتحه من أهل الدار ، ورأيت رجلا ربعة أسمر إلى الصفرة مائل ، قليل اللحم ، في وجهه سجادة ، عليه قميصان وإزار رقيق ، قد تقنّع به وفي رجله نعل طاق ، فصعد إلى الغرفة في الدار حيث كانت العجوز تسكن ، وكانت تقول لنا إنّ في الغرفة ابنة لا تدع أحدا يصعد إليها ، فكنت أرى الضوء الذي رأيته يضيء في الرواق على الدرجة عند صعود الرجل إلى الغرفة التي يصعدها ، ثمّ أراه في الغرفة من غير أن أرى السراج بعينه ، وكان الذين معي يرون مثل ما أرى ، فتوهّموا أنّ هذا الرجل يختلف إلى ابنة العجوز وأن يكون قد تمتّع بها ، فقالوا : هؤلاء البلدية يرون المتعة
__________________
(١) كشف الغمّة : ٣ / ٣٠٣ ، وفرج المهموم : ٢٤٨ بتفاوت.