عليك بقية ، لو لا ذلك ما رحمت أعداءنا وأعداء أوليائنا. ثمّ قال : سحقا سحقا وبعدا بعدا للقوم الظالمين والله لو حرّكت الخيط أدنى تحريكة لهلكوا أجمعين وجعلوا أعلاها أسفلها ولم يبق دار ولا قصر ولكن أمرني سيّدي ومولاي أن لا أحرّكه شديدا. ثمّ إنّه صعد المنارة والناس لا يرونه وأنا أراه فنادى بأعلى صوته ألا أيّها الضالّون المكذّبون فنظر الناس أنّه صوت من السماء فخرّوا لوجوههم وطارت أفئدتهم وهم يقولون في سجودهم : الأمان الأمان. فإذا هم يسمعون الصيحة بالحقّ ولا يرون الشخص ثمّ أشار بيده صلوات الله عليه وأنا أراه والناس لا يرونه فزلزلت المدينة زلزلة خفيفة ليست كالأولى وتهدّمت فيها دور كثيرة ثمّ تلا هذه الآية (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) (١) ثمّ تلا بعد ما نزل (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا) (٢) (عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) (٣) وتلا عليهالسلام (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٤). قال : وخرجت المخدّرات في الزلزلة الثانية من خدورهنّ مكشفات الرءوس وإذا الأطفال يبكون ويصر خون فلا يلتفت أحد ، فلمّا بصر الباقر عليهالسلام ضرب بيده إلى الخيط فجمعه في كفّه فسكنت الزلزلة ثمّ أخذ بيدي والناس لا يرونه وخرجنا من المسجد فإذا قوم قد اجتمعوا على باب حانوت الحداد وهم خلق كثير يقولون : ما سمعتم في مثل هذه المدرة (٥) من الهمهمة ، فقال بعضهم : بلى همهمة كثيرة. وقال آخرون : بلى والله صوت وكلام وصياح كثير ولكنّا والله لم نقف على الكلام. قال جابر : فنظر الباقر عليهالسلام إلى قصتهم ثمّ قال : يا جابر هذا دأبنا ودأبهم في كلّ عصر ، إذا بطروا وأشروا وتمرّدوا وبغوا أرعبناهم وخوّفناهم فإذا ارتدعوا وإلّا أذن الله في خسفهم.
قال جابر : يا بن رسول الله فما هذا الخيط الذي فيه الأعجوبة؟ قال : هذه بقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إلينا ، يا جابر : إنّ لنا عند الله منزلة ومكانا رفيعا ولو لا نحن لم يخلق الله أرضا ولا سماء ولا جنّة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا برّا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا ولا رطبا ولا يابسا ولا حلوا ولا مرّا ولا ماء ولا نباتا ولا شجرا ، واخترعنا الله من نور ذاته ، ولا يقاس بنا بشر ، بنا أنقذكم الله عزوجل وبنا هداكم ونحن والله دللناكم على ربّكم
__________________
(١) الأنعام : ١٤٦.
(٢) سورة هود : ٨٢.
(٣) سورة الذاريات : ٣٣ ـ ٣٤.
(٤) النحل : ٢٦.
(٥) في نسخة ثانية : المنارة.