النقباء سادسا ثمّ معرفة النجباء سابعا وهو قوله تعالى (لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (١) وتلا أيضا (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٢).
يا جابر : مالك أمركم إثبات التوحيد ومعرفة المعاني ، أما إثبات التوحيد معرفة الله القديم الغائب الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن ستدركه كما وصف به نفسه.
أمّا المعاني فنحن معانيه ومظاهره فيكم ، اخترعنا من نور ذاته وفوّض إلينا أمور عباده ، فنحن نفعل بإذنه ما نشاء ونحن إذا شئنا شاء الله وإذا أردنا أراد الله ، ونحن أحلّنا الله هذا المحل واصطفانا من بين عباده وجعلنا حجّة في بلاده ، فمن أنكر شيئا من ذلك وردّه فقد ردّ على الله جل اسمه وكفر بأنبيائه ورسله. يا جابر من عرف الله تعالى بهذه الصفات فقد أثبت التوحيد لأنّ هذه الصفة موافقة لما في الكتاب المنزل وذلك قوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٣) وقوله تعالى (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٤) قال جابر : يا سيدي ما أقلّ أصحابي. قال عليهالسلام : هيهات هيهات أتدري كم على وجه الأرض من أصحابك؟ قلت : يا بن رسول الله كنت أظنّ في كل بلدة ما بين المائة إلى المائتين وفي كل إقليم منهم ما بين الألف إلى ألفين ، بل كنت أظنّ أكثر من مائة ألف في أطراف الأرض ونواحيها. قال عليهالسلام : يا جابر خالفك ظنّك وقصر رأيك أولئك المقصّرون وليسوا لك بأصحاب. قلت : يا بن رسول الله ومن المقصّر؟ قال : الذين قصّروا في معرفة الأئمّة وعن معرفة ما فرض الله عليهم من أمره وروحه. قلت : يا سيّدي وما معرفة روحه؟ قال عليهالسلام : أن يعرف كلّ من خصّه الله تعالى بالروح فقد فوّض إليه أمره ، يخلق بإذنه ويحيي بإذنه ويعلم ما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، ذلك أنّ هذا الروح من أمر الله تعالى فمن خصّه الله تعالى بهذا الروح فهو كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بإذن الله ، يسير من المشرق إلى المغرب بإذن الله في لحظة واحدة يعرج به إلى السماء وينزل به إلى الأرض يفعل ما شاء وأراد. قلت : يا سيّدي أوجدني بيان هذا الروح من كتاب الله تعالى وأنّه
__________________
(١) سورة الكهف : ١٠٩.
(٢) سورة لقمان : ٢٧.
(٣) الأنعام ١٠٣.
(٤) الأنبياء : ٢٣.