الجزيرة فمات أبو عبيدة وهو بها فولاه عمر إياها بعده ؛ وقال محمد بن سعد عن الواقدي : أثبت ما سمعناه في عياض بن غنم أن أبا عبيدة مات في طاعون عمواس سنة ١٨ واستخلف عياضا فورد عليه كتاب عمر بتوليته حمص وقنّسرين والجزيرة للنصف من شعبان سنة ١٨ فسار إليها في خمسة آلاف وعلى مقدّمته ميسرة بن مسروق وعلى ميسرته صفوان بن المعطّل وعلى ميمنته سعيد بن عامر بن جذيم الجمحي ، وقيل : كان خالد بن الوليد على ميسرته ، والصحيح أن خالدا لم يسر تحت لواء أحد بعد أبي عبيدة ولزم حمص حتى توفي بها سنة ٢١ وأوصى إلى عمر ، ويزعم بعضهم أنه مات بالمدينة ، وموته بحمص أثبت ، وعبر الفرات وفتح الجزيرة بأسرها ؛ قال ميمون بن مهران : أخذت الزيت والطعام والخل لمرفق المسلمين بالجزيرة مدة ، ثم خفف عنهم واقتصر على ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر درهما نظرا من عمر للناس ، وكان على كل إنسان من جزيته مدّ قمح وقسطان من زيت وقسطان من خل.
الجزيرَةُ الخضْرَاءُ : مدينة مشهورة بالأندلس ، وقبالتها من البرّ بلاد البربر سبتّة ، وأعمالها متصلة بأعمال شذونة ، وهي شرقي شذونة وقبلي قرطبة ، ومدينتها من أشرف المدن وأطيبها أرضا ، وسورها يضرب به ماء البحر ، ولا يحيط بها البحر كما تكون الجزائر ، لكنها متصلة يبرّ الأندلس لا حائل من الماء دونها ؛ كذا أخبرني جماعة ممن شاهدها من أهلها ، ولعلّها سميت بالجزيرة لمعنى آخر على أنه قد قال الأزهري : إن الجزيرة في كلام العرب أرض في البحر يفرج عنها ماء البحر فتبدو ، وكذلك الأرض التي يعلوها السيل ويحدق بها ؛ ومرساها من أجود المراسي للجواز وأقربها من البحر الأعظم ، بينهما ثمانية عشر ميلا ، وبين الجزيرة الخضراء وقرطبة خمسة وخمسون فرسخا ، وهي على نهر برباط ونهر لجأ إليه أهل الأندلس في عام محل ، والنسبة إليها جزيريّ وإلى التي قبلها جزريّ للفرق ؛ وقد نسب إليها جماعة من أهل العلم ، منهم : أبو زيد عبد الله بن عمر بن سعيد التميمي الجزيري الأندلسي ، يروي عن أصبغ بن الفرج وغيره ، مات سنة ٣٦٥ ؛ وبخط الصوري بزايين معجمتين ، ولا يصح ؛ كذا قال الحازمي. والجزيرة الخضراء أيضا جزيرة عظيمة بأرض الزنج من بحر الهند ، وهي كبيرة عريضة يحيط بها البحر الملح من كل جانب ، وفيها مدينتان : اسم إحداهما متنبّي واسم الأخرى مكنبلوا ، في كل واحدة منهما سلطان لا طاعة له على الآخر ، وفيها عدة قرى ورساتيق ، ويزعم سلطانهم أنه عربيّ وأنه من ناقلة الكوفة إليها ، حدثني بذلك الشيخ الصالح عبد الملك الحلّاوي البصري ، وكان قد شاهد ذلك وعرفه ، وهو ثقة.
جَزيرَةُ شَرِيكٍ : بفتح الشين المعجمة ، وكسر الراء ، وياء ساكنة ، وكاف : كورة بإفريقية بين سوسة وتونس ، قال أبو عبيد البكري : تنسب إلى شريك العبسي ، وكان عاملا بها ، وقصبة هذه الكورة بلدة يقال لها باشّو ، وهي مدينة كبيرة آهلة ، بها جامع وحمّامات وثلاث رحاب وأسواق عامرة ، وبها حصن أحمد بن عيسى القائم على ابن الأغلب ؛ وبجزيرة شريك اجتمعت الروم بعد دخول عبد الله بن سعد ابن أبي سرح المغرب وساروا منها إلى مدينة إقليبية وما حولها ثم ركبوا منها إلى جزيرة قوسرة ؛ ومن تونس إلى منزل باشو مرحلة ، بينهما قرى كثيرة جليلة ؛ ثم من باشو إلى قرية الدواميس مرحلة ، وهي قرية كبيرة آهلة كثيرة الزيتون ، وبينهما قصر الزيت ؛ ومن قرية الدواميس إلى القيروان مرحلة ، بينهما